top of page

قتيبة بن مسلم

تعريف به
وُلِد قتيبة بن مسلم سنة 48هـ  بأرض العراق، في بيت إمرة وقيادة، فأبوه مسلم بن عمرو بن الحصين الباهلي، وكان مضرب المثل في الفتوَّة والبسالة، ولمّـا تَرَعرع قتيبة تعلّم العلم والفقه والقرآن، ثم تعلّم الفروسية وفنون الحرب، ونشأ قتيبة على ظهور الخيل رفيقًا للسيف والرُّمح، مُحبًّا للفروسية، فظَهَر فيه النبوغ وهو شاب في مُقتبل شبابه. 

صفاته
قتيـبة بـن مسلم من الأبطال ذوي الحزم والـدهاء والـرأي، وكان ذا بـأس وشـدة، عـالي الهمـة جـريء اللسان، وله رواية عـن عمـران بـن حصـين، وأبي سعيد الخدري، وقال عنه ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية): (إنه ما انكسرت له راية، وكان من المجاهدين في سبيل الله واجتمع له من العسكر ما لم يجتمع لغيره، ويذكر أيضًا ابن كثير أن قتيبة: من سادات الأمراء وخيارهم، وكان من القادة النُجباء الكبراء، وذوي الحروب والفتوحات، والآراء الحميدة)، وكان لا يبغي بجهاده سوى نصرة الدين ولا يريد من   الدنيا شيئًا.

ومن القصص التي أوردها ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ) وتدل على إيمانه بالله وتوكله عليه، عندما فتح قتيبة بن مسلم مدينة سمرقند، اشترط على أهلها شرطين أما الأول: فهو أن يبني في المدينة مسجدًا لله ويضع فيه منبرًا، ويُصلي فيه ويخطب على المنبر، أما الشرط الثاني وهو أن يُحطّم أصنام المدينة وأوثانها، وبالفعل نفَّذَ الشرطان.

فلـما أخـذ الأصنـام أُلقِـيَت بعـضها فوق بعـض حـتى صـارت مثـل الجبـل الكبير ثـم أمـر بإحـراقها، فتـصارخ أهـل المـدينة وبكوا، وقال الكفار: (إن فيها أصنامًا قديمـة من أحـرقها هلك)، وجـاء ملك المديـنة واسمـه (غورك)، وقال لقتـيبة: (إنـي لـك ناصـح لا تحـرقها فيصـيبك الأذى)، فقـال قتيـبة: (أنـا أحرقـها بيـدي فكيـدوني جمـيعًا ثم لا تنـظرون)، ثـم قـام إليـها وهو يكبر الله عز وجل، وألقى فيها النار فاحترقت كلها. 

وأورد الدكتور محمد علي الصلابي بعض أقوال قتيبة المأثورة في كتابه الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار: ملاك الأمر في السلطان: الشدة على المذنب، واللين للمُحسن، وكان يقول: الخطأ مع الجماعة خير من الصواب مع الفُرقة، وإن كانت الجماعة لا تُخطئ والفرقة لا تُصيب. 

فتوحاته
اشترك قتيبة في الحملات على الجبهة الشرقية للدولة الإسلامية منذ شبابه المبكر، وأبدى شجاعة فائقة وموهبة قيادية فذَّة، لفتت إليه الأنظار خاصة من القائد العظيم المُهلب بن أبي صفرة، فأوصى به للحجاج بن يوسف الثقفي. 

وبدأت رحلة هذا القائد الفَذْ منذ 86 هـ، وقد رأى الحجاج أن يدفع بشخصيات وقيادات شابة جديدة في قيادة المجاهدين في خراسان، فلم يَجِد أفضل من قُتيبة بن مسلم لهذه المُهمة، وقـد وليـها عشـر سنـين، وُضـع خلالـها مراحل لفتوحاته كان لِكل مرحلة هدف ووجهة محددة.

فكان يُوجّه كل قوته للوصول إلى هدفه، ففي المرحلة الأولى قام فيها قتيبة سنة 86هـ بحملته على طخارستان السُّفلى فاستعادها، وثبت أقدام المسلمين، (وطخارستان السفلى)، هي الآن جزء من أفغانستان وباكستان.

وفي المرحلة الثانية، قاد فيها حملته الكبرى على بخارى فيما بين سنتي 87هـ- 90هـ، وخلالها أتم فتح بخارى وما حولها من القرى والحصون، وكانت أهم مدن بلاد ما وراء النهر وأكثفَها سكانًا وأمنعَها حصونًا. 

وفي المرحلة الثالثة، والتي استمرت فيما بين سنة 91هـ- 93هـ، تمكن قتيبة من نشر الإسلام وتثبيته في وادي نهر جيحون كله، وأتم فتح إقليم سجستان في إيران الآن، وإقليم خوارزم، ووصلت فتوحاته إلى مدينة سمرقند في قلب آسيا وضمها إلى دولة الإسلام نهائيًّا.

أما المرحلة الرابعة، فامتدت مـن سنة 94هـ- 96هـ، وفـيها أتمّ قتـيبة فتـح حوض نـهر سيحـون بمـا فيـه مـن مـدن، ثم دخل أرض الصين وأوغل فيها، ووصل مدينة كاشغر الصينية وجعلها قاعدة إسلامية، وكان هذا آخر ما وصلت إليه جيوش الإسلام في آسيا شرقا، ولم يصل أحد من المسلمين أبعد من ذلك قط. 

ونستطيع أن نقول أنَّ القائد قتيبة بن مسلم، هو صاحب الفضل الأول بعد الله عز وجل في إدخال الأتراك في بلاد ما وراء النهر في الإسلام، فقد سَحَرت شخصيته العسكرية الأتراك، فدخلوا في دين الله أفواجًا حبًّا في بطولات وشجاعة هذا البطل الجَسُور، الذي رأى فيه الأتراك الرمز الحقيقي للفضيلة والشجاعة والرجولة، ومعاني الإسلام النقية المُتجسدة   في شخصه. 

وفاته
كـان قتـيبة بـن مسلم مـن قـادة الحجـاج بـن يوسـف الثقـفي، وكـان يعـلم مقـدار كراهـية سليـمان بـن عبـد الملـك للحجاج، فلـمّا وُلـِيَ الخـلافة خشي قتـيبة من انتـقامه؛ لأنه وقـف إلى جـانب الولـيد بـن عبـد المـلك، حـين أراد أن يَخـلع أخـاه سليـمان مـن ولايـة العـهد ويجعلها لابنـه؛ ولـذلك عـزم قتـيبة علـى الخـروج على سليمان بن عبد الملك.

فجمع جموعًا لذلك من رجاله وأهل بيته، لكن حركته فَشِلت وانتهت بقتله سنة 96هـ - 715م، على يد أحد العبيد في بلد اسمها فرغانة سنة 96هـ، ويرى ابن كثير في ذلك زلة كان فيها حتفه ومقتله، حيث فارق الجماعة. 

bottom of page