top of page

عبد الرحمن بن مهدي‎

نسبه 
عبد الرحمن بن مهدي بن حسان بن عبد الرحمن العنبري، وقيل: الأزدي مولاهم البصري اللؤلؤي، ويُكَنَّى بـأبي سعيد، وُلد سنة: 135هـ، كما قال الإمام أحمد. 

ونشأ في بيتٍ متواضعٍ، فلم يكن أبوه مهدي من العلماء إطلاقاً، بل ربما لم يكن شخصاً صاحب عقل، بل كان رجلاً عاميِّاً بمعنى الكلمة، ولكنه خرج -والله يصطفي من خلقه من يشاء، ويُخرج من يشاء ممن يشاء- من صلب هذا الرجل العامّي إمامٌ من أئمة المسلمين، وهو عبد الرحمن بن مهدي، وكَوْن بيت هذا الرجل ليس ببيتَ علم، ثم يَخرج منه هذا العالم؛ فإنه يدل على نُبوغه وعِصاميته في طلب العلم. 

علمه
توجَّه عبد الرحمن بن مهدي إلى طلب علم الحديث وهو ابن بضع عشرة سنة، وكان مبرزاً فيه منذ صغره، وكان أول طلبه سنة: نيِّفٍ وخمسين ومائة، قال أبو عامر العقدي: (كنت سبباً في طلب عبد الرحمن بن مهدي للحديث، فقد كان يتبع القُصَّاص، فقلت له: لا يحصل في يدك من هؤلاء شيء)، أي: لن يفيدَك القُصَّاص؛ لأنه لا هم لهم إلا تحديث الناس بما هبَّ ودب من غير تأكد ولا تثبُّت، والمهم عندهم أن يُغْرِبوا على العامة، ويأتون لهم بالطرف، وأن تُشّدَّ إليهم الأبصار، وتُفتح لهم الأسماع ولو أتوا بالأعاجيب، فكان يعجبه شأنهم منذ الصغر، ولكن لما نصحه أبو عامر، وقال له: لا يحصل في يدك من هؤلاء شيء، التفت إلى الحديث، وطلبه على أصوله، فصار عَلماً، وسمع عبد الرحمن بن مهدي من سفيان الثوري، وهو من أجلَّةِ شيوخِه.

مواقف من حياته
ومن القصص التي تدل على نبوغه في العلم منذ صغره، أنه أخبر عن نفسه، قال: كنا في جنازة فيها عبيد الله بن الحسن العنبري، وهو يومئذٍ قاضي البصرة، وله موضعه في قومه وقدره عند الناس، فتكلم في شيء، فأخطأ، فقلت وأنا يومئذٍ حدث: ليس هكذا، عليك بالأثر، فتزايد عليَّ الناس؛ لأنه وهو حدث (صغير) ينتقد العنبري قاضي البصرة وهو رجل معظَّم عندهم، وقدرُه كبير، فالناس وقعوا في ابن مهدي، هذا الحدث الصغير كيف يخطئ أو ينتقد هذا الشيخ الكبير، فقال عبيد الله العنبري: دعوه، وكيف هو؟ يستفهم من هذا الحدث -الغلام- يقول: ما هو الصحيح؟ فأخبرته.

فـقال: صـدقت يـا غـلام، إذاً أرجع إلـى قولـك وأنـا صـاغـر، وهـذا الرجـوع إلـى الحـق مـن تَـواضُـعِ العلـماءِ رحمهم الله، ولو جاء من غلام صغير، ولو كان أمام الناس، وهذه وإن كان ظاهرها الحط من شأن هذا الكبير، لكنها في الحقيقة ذِكْرٌ وشَرَفٌ، فإن الإنسان يعظم في نفوس الناس؛ إذا رجع إلى الحق، وإن كانت المسألة في ظاهرها جهلٌ منه في هذه المسألة أو نقص، لكن يطغى على هذا النقص رجوعه إلى الحق، وصحب عبد الرحمن بن مهدي شيخه سفيان وحج معه سنة: 159هـ ثم رجع إلى البصرة 160هـ، فمات سفيان الثوري في دار عبد الرحمن بن مهدي، أي: مات الشيخ في دار التلميذ.

وفاته
توفي عبد الرحمن بن مهدي بعد حياة حافلة بالعلم والعبادة في جمادى الآخرة، سنة 198هـ، وكان له من العمر 63 سنة.

 

bottom of page