top of page

محمد الخضر حسين

تعريف به
محمد الخضر حسين، فقيه، وعالِم لُغوي، ومُصلِح ديني، ورائد من رُوَّاد الوَسَطية والتجديد في القرن الرابع عشر الهجري، وأحدُ كبار شيوخ الجامع الأزهر.

حياته
وُلِد بقرية (نفطة) التونسية عامَ ١٢٩٣ﻫ - ١٨٧٦م في رحاب أسرةٍ تَعْتلِي عرشَ العِلم وتلبسُ حُلَّةَ العَراقة وكرم النَّسَب والشرف، تلك الأسرة التي كانت عَلامةً فارقةً في تاريخِ نبوغه الفكري؛ فقد تأثَّرَ الكاتبُ بأبيه، وبخاله السيد محمد المكي بن عزوز، الذي كان من كبار العلماء، وكان يَحتلُّ مَكانةً ساميةً في الدولة العثمانية. وقد ذكر الكاتبُ أن والدته لقَّنَتْه مع إخوانه كتابَ (الكفراوي) في النحو، و(السفطي) في الفقه المالكي، وانتقل مع أسرته إلى العاصمة التونسية؛ فتلقَّى تعليمَه الإبتدائي، وحَفِظَ القرآن الكريم، ثم التحَقَ بجامع الزيتونة، وأظهَرَ نبوغًا واقتدارًا في جميع المَراحِل العِلمية؛ فتعلَّمَ العلومَ العربية والشرعية، ودرَسَ علومَ التفسير والحديث والفقه والبيان، على يد علماء أفذاذ، مثل: الشيخ عمر بن الشيخ، والشيخ محمد النجار. 

رحلته إلى بلاد الشام
سافر الشيخ محمد إلى الشام لزيارة إخوته، حيث كان له ثلاثة إخوة أدباء مقيمين هناك أحدهم (زين العابدين)، وهو الشيخ الذي كان يلقي دروسًا في الجامع الأموي.

خرج الشيخ من تونس عن طريق البحر، وأثناء رحلته مرَّ بعدة مدن منها مالطة والاسكندرية والقاهرة، فألقى أيضًا دروسًا في الأزهر، ثم انتقل إلى بورسعيد ومنها إلى يافا وحيفا حيث كان في كل مدينة يزور علماء وأُدباء المدن للإطلاع على كتبهم وعلمهم، وعندما وصل الشام تم استقباله بحفاوة، وألقى دروسًا في الجامع الأموي، وكان ذلك كله في سنة 1330هـ - 1912م، ثم غادرها إلى إسطنبول ليزور خاله الشهير محمد المكي بن عزوز الذي اتخذها موطنًا له، ولم يَلقَهُ منذ خمس عشرة سنة، وبَقِيَ فيها شهرين، ثم غادرها إلى تونس.

انتقاله إلى الشام
في في سنة 1331هـ - 1912م، ترك الشيخ محمد الخضر تونس، وهاجر منها دون عودة بعد التضييق الذي تعرض له من قبل الاستعمار الفرنسي، وكانت هجرته دون أن يصطحب زوجته، بسبب رفض أهلها مرافقتها لزوجها ومغادرتها البلاد دون عودة.

وعندما وصل دمشق تنقل منها إلى عدة بلدان الحجاز وألبانيا والبلقان وإسطنبول، ثم وصل دمشق واستقر فيها بحي الميدان ببيت إخوته الذين سبقوه إلى هنالك.

وعَمِلَ في التدريس بالمدرسة السلطانية في دمشق، إلا أنه تم سجنه من قِبَل جمال باشا السفّاح والي الشام العثماني وكان ذلك سنة 1335هـ - 1916م، حيث اتهمه بالتآمر على الحكومة، وألبثه في السجن ستة أشهر -وقيل أكثر من ذلك- وعندما خرج من السجن رجع إلى التدريس بالمدرسة السلطانية والجامع الأموي، ثم غادر إلى اسطنبول - أثناء الحرب العالمية الأولى- بعد أن تم استدعاؤه من وزارة الحربية العثمانية، وذلك حتى يعمل كمُنشئٍ للرسائل العربية، ومن اسطنبول بعثته الدولة العثمانية إلى ألمانيا، لتحريض المغاربة وعمل انقلاب ضد الفرنسيين المتواجدين في شمال إفريقيا، وأيضًا ضد الإيطاليين المتواجدين  في ليبيا.

وبَقِيَ الشيخ محمد في ألمانيا لمدة تسعة شهور تقريبًا، تعلَّم خلالها اللغة الألمانية، وأصبح مُلمَّاً ومطلعًا على عادات المجتمع الألماني، حيث أُعجب بنشاط الألمان بالعمل وبحبهم وإقبالهم على العمل، حتى يبلغون سن العجز والكِبَر، وأثناء تواجده في ألمانيا لم يأكل اللحوم قط؛ لأنهم كانوا لا يذبحون على الطريقة الشرعية.

 و أثناء إقامته في ألمانيا، شارك بكتابة تقرير تفصيلي، يُعبِّر عن مطالب الشعب الجزائري والتونسي، وقد رُفع هذا التقرير إلى مؤتمر الصلح، الذي تم عقده في فرنسا، وحضر الشيخ محمد سنة 1336هـ - 1917م، افتتاح مسجد في برلين للجنود المسلمين، وألقى فيه محاضرة عن الحرية. 

عودته إلى دمشق
عاد إلى دمشق بعد زوال الحكم العثماني فيه، وبعد أن أصبحت دمشق خاضعة للحُكم العربي، بقيادة فيصل بن الشريف حسين، وانضم كعضوٍ عاملٍ في تلك الفترة في المجمع العلمي العربي، وعندما انتقل إلى مصر ، واستقرَّ فيها بَقِيَ عُضوًا مراسلاً فيه.

في مصر
هرب الشيخ محمد إلى مصر، وأتمَّ فيها حياته، وكان سبب هروبه أنه تم الحكم عليه في تونس غيابيًا بالإعدام من قِبَل الفرنسيين، بعد أن سقطت الشام تحت الإستعمار الفرنسي، وكانت تهمته أنه قام بتحريض المغاربة في تركيا وألمانيا ضد الفرنسيين، وكان ذلك سنة 1339هـ - 1920م.

وأثناء تواجده في مصر عَمِل مُصحِّحًا بدار الكتب المصرية، وألقى المحاضرات والدروس في مساجدها، وكتب الكثير من المقالات المتنوعة، وفي سنة 1342هـ - 1924م، أنشأ (جمعية تعاون جاليات إفريقيا الشمالية) في القاهرة، حيث كانت الجمعية تهتم بالمغاربة من الناحيتين الثقافية والاجتماعية، وأيضًا أنشأ جمعية (جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية) بعد عشرين سنة.

مؤلفاته
له مؤلفات عديدة من الكتب؛ منها: (وسائل الإصلاح)، وهو كتاب يتألف من ثلاثة أجزاء، الكتاب تحدِّث فيه عن الأوضاع القائمة وعن ضرورة تقويمها، ونقد فيه الضلال الفكري الذي كان منتشرًا في ذلك العصر، وأيضًا ركز على أهمية الإهتمام بالعلماء، وعن حجم دورهم في محاربة هذا الضلال الفكري، وحثهم على تكثيف جهودهم في القيـام بوظائفهم في تنقية السموم الفكرية التي انتشرت. 

ومن كتبه أيضًا:
بلاغة القرآن.
أديان العرب قبل الإسلام.
تونس وجامع الزيتونة.
حياة ابن خلدون.
دراسات في العربية وتاريخها.
تونس.. 67 عامًا تحت الاحتلال الفرنساوي أصدره سنة 1948م.
أدب الرحلات.
الحرية في الإسلام.
آداب الحرب في الإسلام، (تعليقات على كتاب الموافقات)، للشاطبي.
إضافة إلى مئات المقالات والمحاضرات.


وفاته
تـوفـي عـن عـمر ينـاهز أربع وثـمانين سـنة، وتم دفـنه فـي الـقـاهرة فـي مقـبرة آل تيـمـور ، وكـان ذلـك سـنة 1377هـ - 1958م، 

وكــان قــد أهــدى مـكتـبتـه الـنـادرة الضـخمـة، الـتي تـذخر بالـكتب العـلمـية إلـى زوجته الأخيرة.

bottom of page