top of page

عميرُ بنُ سعد

نسبه
عمير بن سعد بن عبيد الأنصاري -رضي الله عنه، الذي بايع الرسولَ  وهو ما زال غلامًا، وأبوه هو الصحابيُ الجليلُ سعد القارئ-رضي الله عنه-.

أهم ملامح حياته
كان عمير بن سعد في أوائل الصفوف في الصلاة والجهاد وكان عابدًا لله سبحانه وتعالى معتكفًا في بيته، لا يراه الناسُ إلاّ قليلاً ولا يسمع عنه أحد، وعُرف َ بالزهد والورع، كان صافيَ النفس، هادئَ بطبعه، خصاله حسنة، يحبه الصحابةُ ويأنسون بالجلوسِ معه، ووصفوه بأنه نسيج وحده (أي شخصيته متميزة فريدة من نوعها).

بعض مواقفه
ذات يومٍ، سمع عمير زوجَ أمه الجلاسَ بنَ سويد -وكان بمثابة أب له و ينفق عليه- وهو يقول: إن كان محمد حقًّا لنحن شر من الحمير، فغضب الغلام غضبًا شديدًا، وامتلأ قلبه غيظًا وحيرة، ثم قال لجلاس: والله يا جلاس إنك لمن أحب الناس إليَّ وأحسنهم عندي يدًا، وأعزّهم عليَّ أن يصيبه شيء يكرهه، ولقد قلت الآن مقالة لو أذَعْتُها عنك لآذتك، ولو صَمَتُّ عليها ليهلكنّ ديني، وإنّ حقَّ الدين لأولى بالوفاء، وإني مُبْلغٌ رسول الله ما قلت.

فقال الجلاس له: اكتمها عليَّ يا بني، فقال الغلام: لا والله، ومضى إلى رسول الله  وهو يقول: لأبلِّغنَّ رسولَ الله قبل أن ينزلَ الوحي يُشْرِكني في إثمك.

فلما وصل الغلامُ إلى رسولِ   الله أخبره بما قاله جلاس، فأرسل الرسولُ  في طلب الجلاس، فلما جاء الجلاس ذكر له الرسول  ما قاله الغلام، فأنكر وحلف باللهِ أنه ما قال ذلك.

فأنزل الله قرآنًا يؤكد صدق الغلام، ويفضحُ الجلاس ويحفظُ للغلامِ مكانَته عند الرسول ، فقال تعالى: {يَحْلِفون باللهِ ما قالوا ولقد قالوا كلمةَ الكفرِ وكفروا بعدَ إسلامِهِم وهمّوا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم اللهُ ورسولُه من فَضْلِهِ فإن يتوبوا يكُ خيرًا لهم وإن يتولّوا يُعَذِّبهُم عذابًا أليمًا في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض ِمن وليٍ ولا نصير} (سورة التوبة، آية رقم 74).

فاعترف الجلاس بما قاله الغلام، واعتذرَ عن خطيئتهِ، وتاب إلى اللهِ، وحسُن إسلامُه، وما سمع الغلام من الجلاس شيئًا يكرههُ بعدها، ثم أخذ النبيُ  أذنَ الغلام، وقال: (وفَتْ أُذُنُك يا غلام، وصدَّقك ربك).

حياته في عهد عمر بن الخطاب
عندما بدأت خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بدأ في اختيار ولاته وأمرائه بناءًا على القوانين والشروط التي ذكرها في مقولته الشهيرة: أريد رجلاً إذا كان في القوم، وليس أميرًا عليهم بدا (ظهر) وكأنه أميرُهم، وإذا كان فيهم وهو عليهم أمير، بدا وكأنه واحد منهم، أريد واليًا لا يُميّز نفسَه على الناس في ملبسٍ، ولا في مطعم، ولا في مسكن، يقيم فيهم الصلاةَ، ويقسمُ بينهم بالحق، ويحكمُ فيهم بالعدل، ولا يغلقُ بابَه دون حوائجهِم. 

وعلى هذا الأساس اختار عمر بن الخطاب عميرًا ليكون واليًا على حمص، وحاول عمير أن يعتذر عن هذه الولاية، لكن عمر بن الخطاب ألزمه بها.


وذهب عمير إلى حمص، وبقى فيها عامًا كاملا دون أن يرسلَ إلى أمير المؤمنين بالمدينة، بل لم يصل إلى أميرِ المؤمنين منه أيةُ رسالة، فأرسل إليه عمر -رضي الله عنه- ليأتي إليه، وجاء عمير وشاهده الناس، وهو يدخل المدينةَ وعليه آثارُ السفر، وهو يحملُ على كتفيه جرابًا وقصعة (وعاء للطعام) وقربة ماء صغيرة، ويمشي في بُطء شديد من التعبِ والجهد.

ولما وصل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قال له: السلام عليك يا أميرَ المؤمنين، فرد عمر السلام ثم قال له: ما شأنك يا عمير؟ فقال عمير: شأني ما ترى، ألست تراني صحيح البدن، طاهر الدم، معي الدنيا (يقصد أنه يملك الدنيا كلها)؟ فقال عمر: وما معك؟ قال عمير: معي جرابي أحمل فيه زادي، وقَصْعَتي آكل فيها وأغسل فيها رأسي، وإداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي، وعصاي أتوكأ عليها، وأجاهد بها عدوًا إن عَرَض (ظهر)، فوالله ما الدنيا إلا تَبعٌ لمتاعي، فقال عمر: أجئت ماشيًا؟ قال عمير: نعم.

فقال عمر: أَوَلَمْ تَجدْ من يعطيك دابة تركبها؟ قال عمير: إنهم لم يفعلوا، وإني لم أسألهم، فقال عمر: فماذا عملت فيما عهدنا إليك به؟ قال عمير: أتيت البلد الذي بعثتني إليه، فجمعت صُلَحَاء أهلهِ، ووليتُهم جَبايَة فيئهِم (جمع صدقاتهم) وأموالهم، حتى إذا جمعوها وضعتُها، ولو بقي لك منها شيء لأتيتك به، فقال عمر: فما جئتنا بشيء؟ قال عمير: لا. فصاح عمر وهو فخور سعيد: جدِّدوا لعمير عهدًا، ولكن عميرًا رفض وقال في استغنـاء عظيـم: تلـك أيـام خَلَتْ، لا عَمِلتُ لك، ولا لأحد بعدك، فقال عمر: وددت لو أن لي رجالاً مثل عمير بن سعد أستعين بهم على أعمال المسلمين.

وفاته
مات -رحمه الله - في الشام في خلافة عمر، وقيل في خلافة عثمان، وكان قد حمل رسالة الإسلام وكان خير حاكم مسلم فعرف مسؤوليةَ الإمارة، ورسم لنفسهِ وهو أميرُ حمص واجباتِ الحاكمِ المسلم وها هو ذا يخطب في أهل حمص قائلاً: ألا إن الإسلام حائطٌ منيع، وبابٌ وثيق، فحائطُ الإسلام العدل، وبابُه الحق، فإذا نُقِضَ (هُدِمَ) الحائط، وحُطّم الباب، استفتح الإسلام، ولا يزال الإسلام منيعًا ما اشتد السلطان، وليست شدة السلطان قتلاً بالسيف، ولا ضربًا بالسوط، ولكن قضاءً بالحق، وأخذًا بالعدل. 

bottom of page