عقبة بن نافع
عقبة بن نافع القريشي، والملقّب بابن رافع، هو من قادة المسلمين في الفتوح، وقد شارك فيها منذ صغره، وولد في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، وبالتحديد قبل الهجرة بعام واحد، وترّبى في أسرة مسلمة، فنشأ على تعاليم الإسلام، وأمّه تلّقب بالنابغة سبيّة، وتمدّه صلة قرابة بالقائد الشهير عمرو بن العاص من جهة أمّه.
حياته
شارك عقبة بن نافع في الجيش الذي وجّهه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لفتح مصر بقيادة عمرو بن العاص، وقاد دوريّة استطلاعيّة للبحث في إمكانيّة فتح شمال أفريقيا، من أجل تأمين حدود الدولة الإسلاميّة من خطر الروم في غرب مصر، وولّاه عمرو بن العاص برقّة، وكان قائداً لحاميتها، وبقي والياً عليها خلال ولاية ولاة آخرين على مصر، واستمرَّ في خلافة كل من عثمان بن عفّان، وعليّ بن أبي طالب؛ إدراكاً منهم أنّه أهل لولاية برقة، وإقراراً بأنّ عمر بن العاص لم يولّه لأنّه أخوه، بل لأنّه على قدر تحمّل هذا العبء، نظراً لمهارته في القتال.
عمل عقبة بن نافع على دعوة قبائل البربر للدخول في الدّين الإسلاميّ، وفي الوقت نفسه أمن غرب الدولة الإسلاميّة من غزوات الروم، كما أنه أخمد الفتنة التي وقعت بين المسلمين، وقدّمها على الاستمرار في الفتوح، والقتال، وبعد تولّي معاوية بن سفيان الخلافة، أكمل عقبة مسيره في الفتوح في شمال أفريقيا،
وأعاد المناطق التي تخلَّت عن طاعة المسملين خلال الفتة، وأعادها لها بالقوة، ثمّ أمدّه معاوية بعشر آلاف مقاتل، فقام بالتوغّل في الصحراء، وبدأ بشنِّ هجمات صغيرة على جيش الروم، ثمَّ بنى مدينة القيروان، التّي عدَّت مركزاً للتقدَّم الإسلامي في المغرب، وقد بنى فيها مسجداً لا يزال موجوداً فيها حتّى يومنا هذا، واسمه جامع عقبة، واستمرّ بناؤها لمدّة خمس سنوات، ثمّ عزله معاويّة عن الحكم.
بعد وفاة معاويّة، استلم ابنه يزيد الحكم، فولَّى عقبة الإمارة ثانية، فسار إلى القيروان، وخرج بجيشٍ كبيرٍ، وحارب الروم، وطردهم من الساحل الإفريقي، وبذلك يكون عقبة قد قضى على قوّة الروم التي كـانت تُهـدِّد الـدولـة الإسـلاميّة في تلك المنطقة.
استشهاده
بعـد غـزو عقبـة لشمـال أفريقيـا، قـام كسيـلة بـن لـزم بقتـله، هو وأبو المهاجر، في السنة الثالثة والستين للهجرة، فقد فاجأهم بقوّة من حلفائه البربر، والبيزنطيين، وهم عائدون إلى مدينة القيروان، وورد أنّ كسيلة قُتل في نفس العام، أو في العام التالي.
عبد القادر بن بدران الدمشقي
تعريف به
عبد القادر بن أحمد بن مصطفى بن عبد الرحيم بن محمد بدران 1280 هـ - 1864م / 1346 هـ - 1927م، فقيه أصولي حنبلي، عارف بالأدب والتاريخ، بالإضافة لاجادة الشعر، و يُعدُّ من كبار أئمة الحنابلة المتأخرين.
حياته
وُلد في دوما بقرب دمشق، وعاش وتوفي في دمشق، كان سلفي العقيدة، وفيه نزعةٌ فلسفيةٌ، وكان حَسَن المُحاضرة، كارهًا للمظاهر، قانعًا بالكفاف، لا يهتم بملبس أو بمأكل.
وُلِيَ إفتاء الحنابلة، وانصرف مدة إلى البحث عما بَقِيَ من الآثار، في مباني دمشق القديمة، فكان أحيانًا يستعير سُلَّماً خشبياً، وينقله بيديه ليقرأ كتابة على جدار.
علمه
ابتدأ طلب العلم في بلدته دوما على يد مشايخها، ابتداءً بجدِّه الشيخ مصطفى بدران، ثم على يد شيخه الشيخ محمد بن عثمان الحنبلي، المشهور بخطيب دوما، ثم انتقل إلى دمشق، فطلب العلم على يد مُحدِّث الشَّام محمد بدر الدين الحسني، وتلقّى في هذه الدار كذلك عن شيخ الشام ورئيس علمائها المحدث سليم بن ياسين العطار، كما دَرَس عُلوم اللغة العربية على يد طاهر الجزائري، أحد كبار علماء الشام ومُصلحيها.
ثم أكبَّ على الكُتب يَنهَلُ من بِحارها في كلّ الفنون والعلوم، فبرَع في سائر العلوم العقليَّة والأدبيَّة والرياضيَّة، وتبحَّر في الفقه والنَّحو، غـَيرَ أنّه أولى عناية خاصّة لعلم أصول الفقه، فكان علَمًا من الأعلام، فعُينَّ مُفتياً للحنابلة، ومُدرساً بالجامع الأموي.
ثم بدأ يُلقي دروساً منتظمَةً في جامِع دوما الكبير، وأصبح عضوًا في شعبة المعارف، التي تشكلت سنة 1309 هـ; لنشر العلم والثقافة والتربية، وشَحَذَ هِمم الناس على تعليم أطفالهم وإرسالهم إلى الكتاتيب والمدارس، واشترك في عهد العثمانيين بتحرير جريدة المقتبس، وكَتَبَ في صحف دمشق: كالمشكاة والشام والكائنات والرأي العام، وفي سنة 1329 هـ أنشأ مجلة موارد الحكمة، وكان مُتبِّعًا للسلف، منكرًا على البدعة، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر.
تلاميذه
تتلمذ على يديه خلقٌ كثير، من أبرزهم:
المؤرخ خير الدين الزركلي، صاحب كتاب الأعلام.
محمد صالح العقاد الشافعي، الذي كان يقال عنه الشافعي الصغير.
محمد أحمد دهمان.
محمد سليم الجندي، من أعضاء المجمع العلمي في دمشق.
فخري بن محمود البارودي، من رجال السياسة والأدب.
مؤلفاته
بلغ عدد مؤلفاته 46 مؤلفًا، منها:
المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل.
الرَّوض البسَّام في تراجم المفتين بدمشق الشَّام.
شرح روضة الناظر لابن قدامة.
تعليق على لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد لابن قدامة.
تهذيب تاريخ دمشق: لابن عساكر (يقع في ثلاثة عشر مجلداً).
تاريخ دوما منذ فجر الدولة العباسية حتى القرن الرابع عشر الهجري.
الآثار الدمشقية والمعاهد العلمية.
وفاته
ضَعُف بصر ابن بدران قبل الكهولة، وأُصيب آخر حياته بمرض الفالج، وتوفي في ربيع الثاني عام 1346 هـ - 1928م، ودُفِنَ في مقبرة الباب الصغير بدمشق.