top of page

سلمانُ الفارسي

نسبه
هو سَلمان الفارسي، يُكنّى أبا عبد الله، من أصبهان، سافر يطلب الدين مع قوم فَغَدروا به فباعُوه لرجل من اليهود، ثم إنه كوتب فأعانه النبي  في كتابته.

أسلم سلمان الفارسي فترة قدوم النبي  للمدينة، ومنعه الرّقّ من شهود بدر وأحد، وأول غزوة غزاها مع النبي  الخندق، وشهد ما بعدها، وولاّه عمر المدائن.

قصة اسلامه
روى سلمان الفارسي قصة إسلامه حيث كان سلمان رجلاً فارسياً من أصفهان وكان هو ابن ذهقان القرية، ومن عِظم حبِّ أبيه له حبسه في المنزل ومنعه من الخروج، وكان مجوسيًا متديناً بالدين المجوسي ومن شدّة مكانته وعلوّها كان هو (قطن النار)أي من يوقد النار، وفي يوم من الأيام مرّ من أمام كنيسة للنصارى، وسمع أصواتهم يصلون، فاندهش من هذه الصلاة، فلم يكن يعرفها، وذلك بسبب حبس أبوه له، فأُعجب بالصلاة وبهذا الدين، فَقَضى وقتاً طويلاً بالكنيسة، فلما رجع إلى بيته أخبر أباه أنه سيَعتنقُ الدين المسيحي، فرفض أبوه الفكرة، فأصرَّ سلمان، فما كان من أبيهِ إلا أن ربطه وقيّده حتى لا يخرج. وكان قد سأل من رآهم في الكنيسةِ عن أصلِ دينهم فأَخبرُوه أنه في الشام، فطلب منهم أن يبعثوا إليه عندما يَقدم وفدٌ عليهم من الشام، وفعلاً  قدم وفد من الشام وعلم بقدومهم واستطاع الإفلات وهربَ من حبسِهِ معهم، وصل سلمان إلى الشام، وسأل عن أفضل عالم بهذا الدين، فدلّوه على أَسقُف نصراني، فأَخبَرَهُ بنيته باعتناق دينه، وبنيّته أن يخدمه ويتعلم منه تعاليم هذا الدين، وفعلاً بدأ سلمان يتعلم من هذا الأسقف، وعلى عكس المتوقع فقد كان هذا الأَسقُف رجلاً سيِّئاً لصاً مُحتالاً يأخذ أموال الناس بالباطل وباسم الدين، فَكَرِهَه سلمان لأفعالِهِ السيِّئة، والتي قد تشوَّه صورة دينه قَبل صورته، فمات هذا الأسقف، وعندما اجتمع الناس عليه، فدلّهم سلمان على المكان الذي كان يُخبئ فيه أموالهم، وكشف سرّه للناس، بعدها جاء أسقف جديد للكنيسة وكان هذا الأسقف الجديد رجلاً صالحاً زاهداً عابداً فأحبه سلمان حباً شديداً وتعلق به كثيراً، وأقام معه مدة طويلة، ولمَّا كان يَحتضر الأسقف، أوصاه بأَن يَذهبْ إلى الموصل، فإنَّ فيها رجلاً ما بدّلت أخلاقه ولا تغيرت صفاته، فقد بَقِي متديناً خلوقاً على عَكْس كلِّ الناس الذين عَرَفهم هذا الأسقف، وذهب سَلمان مرةً أخرى إلى الموصل ليلتحق بهذا الرجل، وعندما وصل استدَلَّ على مكانِهِ وأقامَ عندهُ، فوجده كما وَصَفَهُ صاحِبَه رجلاً صالحاً، وعندما اقتربت وفاتُهُ هو الآخر، أوصاهُ بالالتحاق برجلٍ آخر بنَصيبين هو الآخر متديِّن وصالح وما بَدَّل ولا تغَّير، فلما تُوفيَ التحق سلمان بهذا الرجل وأقام عندَه، فوجده خيراً صالحاً، ثم عندما اقتربت وفاتُهُ أوصاه بالالتحاق برجلٍ في عمورية صالح وعابد فالتحق به سلمان، وفي عمورية كسبَ سلمان بعض البقراتِ والأغنامِ عن طريق العمل، وعندما اقتربت وفاة ُرجل عمورية الصالح، سأله سلمان: إلى من توصي بي، فَأخبره أنَّه لم يعد يعرف رجلاً صالحاً على مثل ما كان عليه هو ومن قبله، وأخبره أيضاً أنه قد أَتى زمان نبي على دين إبراهيم – عليه السلام – وأخبره أنه سيخرج من بين العرب وعلى أرضهم، وأعطاه صفاته وهي أنه لا يقبل الصدقات لنفسه ولكنه يقبل الهدايا، وأخبره أيضاً أن هناك خاتماً للنبوة بين كتفيه، مات الرجل الصالح، وبعد مدة من الزمن قدم وفد من العرب إلى عمورية للتجارة، فطلب منهم أن يأخذوه معهم مقابل ما اكتسبه من الغنم والبقر، فوافقوا، وعندما وصلوا إلى منطقة وادي القرى، غدر القوم به، فباعوه إلى رجل يهودي، فأخذه اليهودي معه عبداً، فبقي عنده، وفي قرارة نفسه كان يتمنى أن يكون قد وصل المكان الذي أخبره عنه رجل عمورية الصالح قبل وفاته، وذات يوم قدم على اليهودي رجل من بني قريظة وكان قريباً له، فاشترى سلمان من هذا اليهودي، وأخذه إلى المدينة المنورة – يثرب -، فعرفها مباشرة من وصف الرجل الذي كان مقيماً عنده في عمورية، بعدها بُعث محمد في مكة، ولكنه لم يعلم بأخباره بسبب حالة العبودية التي كان عليها إلى أن هاجر النبي  إلى المدينة المنورة، فبينما كان يعمل إذ سمع رجلاً يشتم الأنصار بسبب اجتماعهم مع رجل قدم من مكة المكرمة معتقدين أنه نبي مُرسل من عند الله، ولقد سَمِع سلمان هذا القول وهو فوق نخلة، فأقبل على السقوط عنها عندما سمِعَ هذا القول، وأقبل على هذا الرجل الذي سمع منه هذا الكلام وأمسكه وهزه وهو يقول له: ماذا تقول؟ أعد ماذا قلت؟ فضربه سيده ضربة قوية بسبب غضبه من تصرف سلمان آنذاك. وعندما جاء الليل جمع ما جمعه من طعام وأخذه وذهب به ليقابل النبي محمداً، وكان في نية سلمان أن يتأكد من العلامات التي قالها الرجل الصالح، فجلس بين يدي رسول الله  أول مرة، وبدأ باختباره والتأكد من العلامات، فقدّم إليه الطعام على أنه صدقة، وبرّر له ذلك بأنه أراد أن يطعمه لأنه يعلم أنه قادم من سفر وهو متعب، فلم يأكل منه الرسول ووزعه على أصحابه ومن كانوا معه، فعاود سلمان تقديم الطعام له على أنه هدية عندها أكل منه الرسول  هنا تأكد سلمان الفارسي من علامتان، وبقيت الثالثة، توافقت الأقدار أن يموت رجل من المسلمين، وكان رسول الله  فيها، حيث كان الدفن في مقبرة البقيع، فبينما كان الرسول جالساً إذ أقبل سلمان وسلّم عليه وبدأ بالدوران حول الرسول، ففهم الرسول بذكائه الشديد وفطنته وسرعة بديهته أنه يريد أن يرى شيئاً معيناً، فألقى الرسول عن كتفيه الشملة، فظهر الخاتم واضحاً، وفور رؤية سلمان لمنظر الخاتم وتأكده منه، انكب على رسول الله، مقبلاً له وهو يبكي، فأخبر الرسول  بقصته كاملة. 

مكانته 
عن أنس قال: قال رسول الله: (السُبَّاق أربعة: أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة).

وعن كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن جده أنّ رسولَ الله  خطَّ الخندق، وجعل لكل عشرةٍ أربعين ذراعًا، فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان، وكان رجلاً قويًّا، فقال المهاجرون: سلمان منا، وقالت الأنصار: لا، بل سلمان منا، فقال رسول الله: «سلمان منا آل البيت».


يومَ الخندق
لما خرج نفر من زعماء اليهود إلى مكة في السنة الخامسة للهجرة، وكانوا متعاهدين مع المشركين على أن يعاونوهم في حرب حاسمة يُدمّرون فيها الدين الجديد ويستأصلونه، فوضعوا خطة الحرب الغادرة، على أن يهجم جيش قريش وغطفان «المدينة» من خارجه، بينما يهاجم بنو قريظة من الداخل، ومن وراء صفوف المسلمين، وبذلك يكونوا قد حاصروا المسلمين من الداخل والخارج وقضوا عليهم.


وظهرت عبقريةُ سلمان الفارسي الحربية في يوم الخندق، حيث تتبع للكفار من فوق هضبة عالية، ونظرةً فاحصةً على المدينةِ، فوجدها مُحصّنة بالجبال والصخورِ المحيطة بها، لكنه وجد هناك فجوةً واسعةً، يستطيع الجيش أن يقتحمَ منها الحِمَى بسهولة، فأشار على النبي  بحفر الخندق؛ مما جعل أحزاب الكفر تعود مذلولة إلى ديارها، بعد أن مكثت شهرًا عاجزة عن عبور الخندق.

ملامح شخصيته
عُــرف عنـه غـزارة علمـه وورعـه وتقـواه وتـواضعـه وكـان سلمـان الفارسـي معـروفًا بـزهـده حتـى أنـه لـما حضـرته الوفاة بـكـى، فقيـل لـه: مـا يُـبكيك؟ قال: «عهدٌ عهده إلينا رسول الله قال: (ليكن بلاغُ أحدكم كزاد الراكب)، قال: فلما مات نظروا في بيته فلم يجدوا في بيته إلا إكافًا ووطاءً ومتاعًا قُوِّمَ نَحْوًا من عشرين درهمًا. 
       
وفاته 
تـوفـي سلمـان الفـارسـي  بـالـمدائن فـي خـلافـة عثـمان، قيـل في سنـة 32.

bottom of page