top of page

المقدادُ بنُ الأسود

نسبُه 
المقداد بن الأسود هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة، من قضاعة، وقيل: من كندة، أبو معبد أو أبو عمرو، نُسب إلى الأسود بن عبد يغوث الزهري; لأنه تبنّاه في الجاهلية.

أهم ملامح حياته 
كان فارسًا شجاعًا (يقوم مقام ألف رجل) على حد تعبير عمرو بن العاص وكان من الرَّماة المذكورين من أصحاب رسول الله  وهو أول فارس في الإسلام وكان من الفُضَلاء النُجباء الكبار الخيار من أصحاب النبي   سريع الإجابة إذا دُعي إلى الجهاد حتى حينما تقدمت به سِنُّه، وكان يقول في ذلك: أبت علينا سورة البحوث {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً} (سورة التوبة، 41)، وكان إلى جانب ذلك رفيع الخُلُق، عالي الهمة، طويل الأناة، طيب.

إسلامه
الذي يظهر من مجمل النصوص أن المقداد كان من المبادرين الأُول لاعتناق الإسلام، فقد ورد فيه: أنه أسلم قديمًا، وذكر ابن مسعود أن أول من أظهر إسلامه سبعة، وعدّ المقداد واحدًا منهم، إلا أنه كان يكتم إسلامه عن سيده الأسود بن عبد يغوث خوفًا منه على دمّه شأنه في ذلك شأن بقية المستضعفين من المسلمين الذين كانوا تحت قبضة قريش عامة، وحلفائهم وساداتهم خاصة، أمثال: عمار وأبيه وبلالٍ وغيرهم ممن كانوا يتجرعون غصص المحنة؛ فما الذي يمنع الأسود بن عبد يغوث من أن يُنزل أشد العقوبة بحليفه إن هو أحس منه أنه قد صبأ إلى دين محمد؟ سيما وأن الأسود هذا كان أحد طواغيت قريش وجباريهم، وأحد المعاندين لمحمد والمستهزئين به وبما جاء، إنه -ولا شك- في هذا الحال لن يكون أقل عنفًا مع حليفه من مخزوم مع حلفائها.

لأجل هذا كان المقداد يتحيّن الفرص لانفلاته من ربقة (الحلف) الذي أصبح فيما بعد ضربًا من العبودية المقيتة، ولونًا من ألوان التسخير المُطلق للمحالف يُجرِّده عن كل قيمة، ويُحرَمُ معه من أبسط الحقوق.

أثرُ الرسولِ  في تربيته
ولاّه الرسول  إحدى الإمارات يومًا، فلما رجع سأله النبي : (كيف وجدت الإمارة؟)، فأجاب: لقد جَعَلتني أنظر إلى نفسي كما لو كنت فوق الناس، وهم جميعًا دوني، والذي بعثك بالحق، لا أتأمرنَّ على اثنين بعد اليوم أبداً.

وروى ثابت البناني عن أنس بن مالك عن المقداد بن الأسود أنه قال: والله لا أشهد لأحد أنه من أهل الجنة حتى أعلم ما يموت عليه، فإني سمعت رسول الله  يقول: (لقلب ابن آدم أسرع انقلابًا من القدر إذا استجمعت غليًا).

حبه للإسلام
حب المقدادُ للإسلامِ ملأ قلبَه بمسؤولياتِه عن حماية الإسلام، ليس فقط من كيد أعدائه، بل ومن خطأ أصدقائه، فقد خرج يومًا في سريَّة تمكّن العدو فيها من حصارهم، فأصدر أمير السرية أمره بألا يرعى أحد دابته، ولكن أحد المسلمين لم يُحِط بالأمر خُبْرا فخالفه، فتلقّى من الأمير عقوبة أكثر مما يستحق، أو لا يستحقها على الإطلاق، فمر المقداد بالرجل يبكي ويصيح فسأله فأنبأه ما حدث، فأخذ المقداد بيمينه ومضيا صوب الأمير، وراح المقداد يناقشه حتى كشف له خطأه وقال له: «والآن أقِدْهُ من نفسك، ومَكِّنْهُ من القصاص»، وأذعن الأمير، بيد أن الجندي عفا وصفح وانتشى المقداد بعظمة الموقف وبعظمة الدين الذي أفاء عليهم هذه العزة، فراح يقول: (لأموتَنَّ والإسلام عزيز).

بعضُ مواقفِه مع الرسول 
يروي عبد الرحمن بن أبي ليلى عن المقداد بن الأسود قال: قدمت المدينة أنا وصاحبان فتعرّضنا للناس فلم يضفنا أحد فأتينا إلى النبي  فذكرنا له فذهب بنا إلى منزله وعنده أربعة أعنز فقال: «احلبهن يا مقداد وجزّئهن أربعة أجزاء وأعط كل إنسان جزءا»، فكنت أفعل ذلك فرفعت للنبي  ذات ليلة فاحتبس واضطجعت على فراشي فقالت لي نفسي إن النبي  قد أتى أهل بيت من الأنصار، فلو قمت فشربت هذه الشربة فلم تزل بي حتى قمت فشربت جزءًا، فلما دخل في بطني ومعائي أخذني ما قدم وما حدث، فقلت يجيء الآن النبي  جائعًا ظمآنًا فلا يرى في القدح شيئًا فسجيت ثوبًا على وجهي، وجاء النبي  فسلّم تسليمة تسمع اليقظان ولا توقظ النائم، فكشف عنه فلم ير شيئًا فرفع رأسه إلى السماء، فقال: «اللهم اسق من سقاني وأطعم من أطعمني»، فاغتنمت دعوته وقمت فأخذت الشفرة فدنوت إلى الأعنز فجعلت أجسهن أيتهن أسمن لأذبحها فوقعت يدي على ضرع إحداهن، فإذا هي حافل ونظرت إلى الأخرى فإذا هي حافل فنظرت فإذا هن كلهن حفل، فحلبت في الإناء فأتيته به فقلت: اشرب، فقال: «ما الخبر يا مقداد»، فقلت: اشرب ثم الخبر، فقال: «بعض سوآتك يا مقداد»، فشرب ثم قال: «اشرب»، فقلت: اشرب يا نبي الله فشرب حتى تضلّع ثم أخذته فشربته ثم أخبرته الخبر، فقال النبي: «هيه»، فقلت كان كذا وكذا، فقال النبي : «هذه بركة منزلة من السماء أفلا أخبرتني حتى أسقي صاحبيك»، فقلت: إذا شربت البركة أنا وأنت فلا أبالي من أخطأت.


ومن طريق يعقوب بن سليمان، عن ثابت البناني، قال: كان المقداد وعبد الرحمن بن عوف جالسَين فقال له مالك: ألا تتزوج؟ قال: زوّجني ابنتك، فغضب عبد الرحمن وأغلظ له، فشكا ذلك للنبي، فقال: أنا أزوجك، فزوجه بنت عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب.

ولما بلغ رسول الله  عرق الظبية دون بدر استشار الناس فقال: أشيروا علي أيها الناس! فقام أبو بكر فقال وأحسن، ثم قام عمر فقال مثل ذلك، ثم قام المقداد بن الأسود فقال: يا رسول الله! امض بنا لأمر الله فنحن معك، والله لا نقول لك مثل ما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، والذي بعثك بالحق! لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تنتهي إليه، فقال له رسول الله  خيرًا ودعا له بخير.

وفاته
مات في سنة 33هـــ، وصلّى عليه عثمان بن عفان وقبره بالبقيع.

bottom of page