top of page

مبارك بن سيف الناخي

تعريف به
هو مبارك بن سيف الناخي التميمي.

حياته
ولد ونشأ في الشارقة سنة 1318هـ، وتوفى فيها سنة 1982م، ترعرع الشيخ مبارك في وسط أسرة تشجع العلم، وتسعى إليه، وكان والده من رجالات الشارقة المشهورين بالكرم، وحُسن الضيافة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحُبِّ فعل الخير، أما عن دراسته فقد كانت في منطقة الحيرة، وهي من المناطق التي تميزت بنشاطات ثقافية وتعليمية، وكان فيها عدد من العلماء والأُدباء والرِّجال الأخيار، أمثال الشيخ علي بن محمد المحمود والشيخ عبد الله بن صالح المطوع وسالم بن علي العويس، وغيرهم كثير، وقد دَرَس الشيخ مبارك في بداية حياته في مدرسة صِهرهِ الشيخ علي بن محمد المحمود، وقبل ذلك تلقَّى تعليمه على يد الشيخ صالح بن محمد الخليف، وهو من نجد سكن الزبر، ثم جاء إلى الشارقة ونزل في منزل علي بن محمد المحمود، واتفق معه على تنظيم الدراسة، حتى أصبحت الدراسة من الصباح حتى الظهر، وتعلم الشيخ مبارك على يديه شيئًا من العلوم النافعة، وتزوَّد من علمه وسِعَةِ إطلاعه، ثم درس على يد الشيخ محمد بـن جاسم الجروان، وتأثر بمنهج الشيخ في تلاوة وحفظ القرآن الكريم، وقد درس على يد هذا العالم الجليل العلوم الدينية والعربية.

علمه
التحق الشيخ مبارك بالمدرسة التيمية المحمودية، واستقام في دراسته حتى أنّه كان ضمن البعثة التعليمية التي ذهبت إلى قطـر للدراسة في المدرسة الثرية في سنة 1332 هـ - 1912 م، ومكثت أربع سنوات، وكان الشيخ مبارك من الطلاب النُّجباء الذين ظهرت عليهم علامات الإندفاع نحو المعرفة والمدنية، وتلقى علم الحديث والتفسير واللغة العربية والتوحيد في المدرسة الأثرية، وبعد عودته إلى الشارقة مارس تجارة اللؤلؤ، وكان كثير الترحال بين الشارقة ودبي وبلاد الهند وأفريقيا، وفي عام 1974م، ساهم بدورٍ مرموق في افتتاح المدرسة التيمية في الحيرة، وتجدر الإشارة إلى أنه كان على علاقة متينة بعدد من العلماء والشخصيات الأدبية.

صفاته
لقد تميز الشيخ مبارك بن سيف بصفات أخلاقية عالية تربى عليها منذ نعومة أظفاره في وسط عائلة كان لها الفضل في تربيته وتنشئته، فمن صفاته أنه كان نقياً ورعًا آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، محبًا لعمل الخير وساعياً لمساعدة المحتاجين منفقاً في سبيل الله، كما أنه تميَّز بدفاعه عن الحق بما آتاه الله من ثقافة ومَلَكَة أدبية فذَّة، وكان لطيف المعشر وتميز بحبه للقراءة وسِعة إطِّلاعه، وقد ضمَّت مكتبته العديد من الكتب الدينية والأدبية والإجتماعية والتاريخية والسياسية، وكان الشيخ مبارك يقضي جل وقته مُنكَّباً على القراءة والتلخيص، فقد ذكر الشيخ محمد بن علي المحمود أن الشيخ مبارك، كان طلق اللسان، شجاع القلب، طيِّب الصُّحبة والعشرة، وفياً وسخياً، ذا غيرة على دينه، وتميز برجاحة عقله وحسن سلوكه.

مكانته
كان الشيخ مبارك على صلة دائمة بكثير من رجالات العلم والدين والسياسة، سواء على المستوى المحلي أو الخليجي، حيث كانت له صلة بعلماء ومثقفي قطر والسعودية والبحرين والكويت، أما على مستوى العالم العربي، فقد اتصل بعدد من رجال الدعوة والفكر، وكان يُراسل عددًا من المفكرين أمثال الشيخ محب الدين الخطيب والشيخ محمد بن رشيد رضا والشيخ محمد بهجت البيطار، وفي بلاد الهند كان على صلة بالعلَّامة الشيخ أبي الحسن الندوي، واشترك في مجلة (الفتح الزهراء)، وكذلك مجلة (الشورى) لصاحبها محمد علي الطاهر، أما في سورية فكان يراسل مجلة (الشهاب) لصاحبها محمد علي القباني، ومجلة (العرب) التي كانت تصدر في الباكستان.


ومن الصحف الخليجية اتصل بمجلة (الكويت والبحرين) لصاحبها عبد الله زايد، وكان يُتابع باستمرار كل ما يُنشر عن الثقافات الإسلامية في مختلف الدول العربية والإسلامية، وخصوصًا بلاد الهند وباكستان، وتجدر الإشارة إلى أنه سافر بصُحبة الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، حاكم الشارقة السابق إلى عدد من الدول العربية. 

وكان من بينها سَفَرُه إلى مصر، واستغل فرصة وجوده في القاهرة وذهب إلى مركز محب الدين الخطيب للسلام عليه والإجتماع به، فلما وصل إلى باب بيته ورن جرس الباب فتح الخادم، فقال له قل لمحب الدين الخطيب أن الذي حَضَرَ هو مبارك بن سيف الناخي، فلما سَمِعَ ذلك هرول مسرعًا نحو الباب لمعرفته بالرجل. ورحبّ به، ثم جلس معه لمناقشة بعض القضايا العربية.

عمله 
إن دَور الشيخ مبارك الناخي وعِلمَه لم يقتصر على بلده، فقد ساهم بدور كبير في نشر العلم والثقافة في قطر عندما استدعاه الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني حاكم قطر السابق، وكان معه الشيخ محمد بن علي المحمود ليقوما بالتدريس في المعهد الديني، وشارك في افتتـاح هذا المعهد الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، وساهم بسعة إطلاعه في تأسيس دار الكتب القطرية، كما درس على يديه عدد من طلاب الإمارات وقطر، وأمضى قرابة عشرين عامًا في قطر، كان خلالها ينشر العلم، ويدعو إلى التمسك بكتاب الله وسنة نبيه محمد .

وكان مجلسه عامرًا بالعُلماء من مختلف الجنسيات، حيث احتضنت الدوحة عدداً من علماء المسلمين والعرب من مصر وسوريا ولبنان، وكان لا يخلو يوم من استقباله لهذه النخبة من أصحاب العلم، وكانت تُثار في هذه الجلسات قضايا دينية وسياسية وأدبية واجتماعية، وكانوا يوقرِّونه ويحترمونه، وقد حَظِيَ بمكانه طيبة في قلوبهم، وبطلب من الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني الذي شغل وقتها وزيرا للتربية والتعليم، وتولى الشيخ مبارك إدارة الكتب القطرية، ولما حان وقت رجوعه إلى وطنه رأت حكومة قطر أنَّ من الواجب تكريمه، فأجرت له راتبًا شهريًا ظلَّ يتقاضاه حتى وفاته.


وزار الشيخ مبارك كثيرًا من الأقطار العربية والإسلامية، فكان ضمن وفد من إمارة الشارقةَ برئاسة الشيخ صقر بن سلطان القاسمي الذي زار مصر للتهنئة بقيام ثورة يوليو 1952م، كما زار فلسطين والتقى بعلماء القدس وعلماء الشام، وكانت تربطه علاقة طيبة بالشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، وزار أيضاً الهند، والتقى بعدد من علماء الجامعة المركزية الذين رحَّبوا به، وكان من بينهم الشيخ أبو الحسن الندوي، وهو يعتبر من أوائل الداعين إلى الإعتصام يدًا واحدة أمام الأعداء.

وقـد كان الأديب مبارك الناخي أول متحدث في الإمارات عن قضية فلسطين، وخاصة بعد أن قرأ كتاب (النار والدمار في فلسطين)، فانفعل به وظل يخطب في المساجد أيام الجمع وفي المجالس مشهرًا بإعمال الإنجليز، وداعيًا إلى الجهاد في سبيل الله ضد الإنجليز. 

ونتيجة لهذه الغيرة والمشاعر الإسلامية، بدأ الإنجليز آنذاك يكتبون عنه التقاريـر ويعتبرونه ثوريًا، وقد طلب الحاكم الإنجليزي من الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، إبعاده مـن المنطقة لما يُسبِّبه من مشـاكل لهم حسب تصورهم.

وقد كان الشيخ مبارك على اتصال بكِبار العُّلماء والسياسيين، كالشيخ مجد الزهاوي كبير علماء العراق، وبالسياسي أمير البيان الشيخ (شكيب ارسلان) من المناضلين في بلاد الشام.

وهو أيضًا على علاقة بالمناضل البحريني (عبدالوهاب حجي) الذي نفته السلطات البريطانية إلى بومبي، وكان يتبادل معه الرسائل، ويحثه على النضال ضد الاحتلال.

وفاته
فـي سنـة 1982م، تـُوفي الشيـخ الأديـب مبـارك بـن سيـف النـاخي فـي موطنه بالشارقة، عن عمر ناهز الخامسة والثمانين، وعند وفاته رثاه العديد من الأدباء والمقربين منه الذين تأثروا كثيرًا عندما سمعوا نبأ وفاته، فقد كان يرحمه الله شُعلة مضيئة، لم ينطفئ نورها؛ لأن مآثره باقية أبد الدهر، وهي شاهدة على نضاله بالكلمة الصادقـة وبـالمواقف الجـليلـة، حيـال القضايـا الـوطنيـة والإسـلامية.

bottom of page