top of page

عثمانُ بنُ عفانٍ رضي اللهُ عنه

نسبه
هو عثمان بنُ أبي العاص بنُ أميةُ بنِ عبدِ شمسِ بنِ عبدِ منافِ بنِ قصي بنِ كلابِ بنِ مرّةَ بنِ كعبِ بنِ لؤيِ بنِ غالبِ‏، يجتمعُ نسبهُ مع الرسول في الجد الخامسِ من جهةِ أبيه‏‏‏.‏ عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، فهو قرشيٌ أموي يجتمع هو والنبي في عبد مناف، وهو ثالثُ الخلفاءِ الراشدين‏، وأمه أروى بنتُ كريز وأم أروى البيضاء بنتُ عبد المطلب عمة الرسول .

ويقالُ لعثمان -رضي اللَّهُ عنه -‏(‏ذو النورين‏) لأنه تزوج رقية، وأمَ كلثوم، ابنتيَّ النبي ‏،‏ ولا يُعرف أحد تزوج بنتيَّ نبي غيره.

صفاته
عُرف -رضي الله عنه- بالكرم ولين الطبع، وكان قوياً، وهادئاً، وديعاً، وصابراً، وعظيماً، ورضياً، وعفوَّاً، وكريماً، ومحسناً، ورحيماً، وسخيَّاً، معطاءً، يُواسي المؤمنين ويُعين المستضعفين.

وعُرف بالحياء الشديد، حيث قال عنه الرسول : ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة، وأيضًا قال عنه الرسول :‏ أصدقُ أمتي حياءً عثمان‏. وأما عن فضله فقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: كنا في زمن النبي لا نعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر، ثمّ عثمان، ثمّ نترك أصحاب النبي  لا نفاضل بينهم.

وكان -رضي الله عنه- أحد الستةِ الذين توفي رسولُ اللَّه  وهو راضٍ عنهم، وقال عن نفسِه قبل قتْلِه‏:‏ ‏(واللَّهِ ما زنيتُ في جاهليةٍ وإسلامٍ قط‏‏).

أهم ملامح حياته
إسلامه

دعا أبو بكر عثمان -رضي اللَّهُ عنهما- إلى الإسلام، فأسلم وهو في عمر تجاوز الثلاثين قبلَ دخول رسولِ اللَّهِ  دارَ الأرقم، ولما عرض أبو بكر عليه الإسلام قال له‏:‏ ويحك يا عثمان واللَّه إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحقُ من الباطل، هذه الأوثان التي يعبدُها قومُك، أليست حجارةً صماءُ لا تسمعُ، ولا تبصر، ولا تضرُ، ولا تنفع‏؟‏ فقال‏:‏ بلى، واللَّه إنها كذلك، قال أبو بكر‏:‏ هذا محمد بن عبد اللَّه قد بعثه اللَّه برسالته إلى جميعِ خلقهِ، فهل لك أن تأتيه وتسمع منه‏؟‏ فقال‏:‏ نعم‏،‏ وفي الحال ذهب إلى رسول اللَّه  فقال‏:‏ ‏(‏يا عثمان أجب اللَّه إلى جنته فإني رسول اللَّه إليك وإلى جميعِ خلقه‏)‏‏، قال:‏ فواللَّهِ ما ملكتُ حين سمعتُ قولَه أن أسلمت، وشهدت أن لا إلهَ إلا اللَّه وحدَه لا شريكَ له، وأن محمداً عبدهُ ورسولهُ، ثم لم ألبث أن تزوجت رقية‏، وكان يُقال‏:‏ أحسن زوجين رآهما إنسان، رقية وعثمان‏.‏ 

زواجه
تزوج عثمان بن عفان رقيةُ بنتُ رسولِ اللَّه ، وأمها خديجة بمكة، وكان زواج عثمان لرقية بعد النبوة لا قبلها وهاجرت معه إلى الحبشة، وولدت له هناك ولدًا فسماه‏:‏ ‏عبد اللَّه‏‏، وكان عثمان يُكنَّى به، ولما سار رسول اللَّه  إلى بدر كانت ابنته رقية مريضة، فتخلَّف عليها عثمان بأمر رسـول اللَّه، فـتـوفـيت يوم وصول زيد بن حارثة.

أمـا زوجــتُـه الثـانيـة  فـهـي أمُ كــلـثــوم
بنت رسول اللَّه، وأمها خديجة، وهي أصغرُ من أختِها رقية، زوَّجها النبي  من عثمان بعد وفاةِ رقية، ولم تلد منه ولدًا، وتوفيت سنة تسع وصلى عليها رسول اللَّه.
وروى سعيد بن المسيب أن النبيَّ رأى عثمانَ بعد وفاةِ رقية مهمومًا‏،‏ فقال له‏:‏ ‏ما لي أراك مهمومًا‏‏؟
فقال‏:‏ يا رسول اللَّه وهل دخل على أحد ما دخل عليَّ ماتت ابنةُ رسولِ اللَّه  التي كانت عندي وانقطع ظهري، وانقطع الصهرُ بيني وبينك‏، فبينما هو يحاوره إذ قال النبي‏: ‏ ‏(‏هذا جبريل عليه السلام يأمرني عن اللَّه عز وجل أن أزوجك أختَها أمَ كلثوم على مثلِ صداقِها، وعلى مثلِ عشرتِها‏).

أحد المبشرين بالجنة
قال‏:‏ كنت مع رسولِ اللَّه في حديقة بني فلان والبابُ علينا مغلق إذِ استفتحَ رجلٌ فقال النبي:‏ ‏يا عبدَ اللَّه بن قيس، قمْ فافتح له الباب وبشَّره بالجنة‏ فقمت، ففتحت الباب فإذا أنا بأبي بكر الصدِّيق فأخبرتُه بما قال رسول اللَّه، فحمد اللَّهَ ودخلَ وقعد، ثم أغلقتُ البابَ فجعل النبيُ ينكتُ بعودٍ في الأرض فاستفتح آخر فقال‏:‏ يا عبدَ اللَّه بن قيس قمْ فافتحْ له الباب وبشَّره بالجنة، فقمتُ، ففتحتُ، فإذا أنا بعمرَ بنِ الخطاب فأخبرتهُ بما قال النبي، فحمدَ اللَّهََ ودخل، فسلم وقعد، وأغلقتُ الباب، فجعل النبي ينكتُ بذلك العودِ في الأرض إذ استفتح الثالث الباب فقال النبيُ: يا عبد اللَّه بن قيس، قمْ فافتحِ الباب له وبشره بالجنة على بلوى تكون فإذا عثمان، فأخبرته بما قال رسولُ الله  فحمدَ اللهَ، ثم قال: الله المستعان‏.

وبعد البشارة بالجنة تأتي البشارة بالشهادة، لقد بُشر عثمان بالشهادة في سبيل الله بعد البشارة بالجنة، كما في الحديث الذي رواه البخاري والترمذي وغيرهما من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه - قال: (صعد النبي  أُحُداً -أي: على جبل أحد- وأبو بكر و عمر و عثمان، فرجف بهم الجبل، فخاطب النبي  الجبل وقال: اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان)، والنبي  هو: محمد، والصديق: هو أبو بكر، والشهيدان هما: عمر و عثمان -رضي الله عنهما-.

بيعة الرضوان
دعا رسولُ اللَّه  عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- ليبعثَه إلى مكةَ فيبلغ عنه أشرافَ قريش ما جاء له فقال‏:‏ يا رسولَ اللَّه إني أخاف قريشًا على نفسي، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغِلظتي عليها، ولكني أدلّك على رجل أعز بها مني، عثمان بن عفان، فدعا رسول اللَّه  عثمانَ بن عفان، فبعثه إلى أبي سفيان وأشرافِ قريش يخبرُهم أنه لم يأتِ لحربِهم وأنه إنما جاء زائرًا لهذا البيتِ ومعظِّمًا لحُرمتِه‏.‏

فخرج عثمانُ -رضي الله عنه- إلى مكة فلقيه أبانُ بن سعيد بن العاص فحمله بين يديه، ثم أجاره حتى بلَّغ رسالةَ رسولِ اللَّه،‏ فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماءَ قريش فبلغَّهم عن رسولِ اللَّه ما أرسله به، فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول اللَّه إليهم‏:‏ إن شئتَ أن تطوفَ بالبيت فطُفْ، فقال‏:‏ ما كنت لأفعل حتى يطوفَ رسولُ اللَّه، فاحتَبَسَتْهُ قريشٌ عندَها، فبلغ رسولَ اللَّه  والمسلمين أن عثمانَ بنَ عفان قد قُتِل، لكن عثمان -رضي اللَّه عنه- لم يكن قتِل  فعليًا، بل كان بالإشاعة، فبايع النبيُ عنه على تقديرِ حياتهِ‏، وكان ذلك إشارةٌ منه إلى أن عثمانَ لم يُقتل، وإنما بايع القومَ أخذًا بثأر عثمان جريًا على ظاهرِ الإشاعةِ تثبيتًا وتقويةً لأولئك القوم، فوضع يدَه اليمنى على يدِه اليسرى وقال‏:‏ ‏اللَّهم هذه عن عثمان في حاجتك وحاجةِ رسولكِ‏.

اختصاصُه بكتابة الوحي 
عن فاطمةَ بنت عبد الرحمن عن أمِها أنها سألت عائشةَ وأرسلها عمُها فقال‏:‏ إن أحدَ بنيك يُـقرئـك السـلامَ ويـسألـك عـن عثـمـانَ بـن عفـان فـإن الناس قد شتموه فقالت‏:‏ لعن اللهُ من لعنه، فواللَّه لقد كان عند نبي اللَّه وإنّ رسولَ اللَّهِ  لمسندٌ ظهرَه إليَّ، وإنّ جبريل ليوحي إليه القرآن، وإنّه ليقول له‏:‏ اكتب يا عُثَيم فما كان اللَّه لينزل تلك المنزلة إلا كريمًا على اللَّهِ ورسولهِ‏،‏ أخرجه أحمد وأخرجه الحاكم. وقال‏:‏ ‏‏قالت‏:‏ لعن اللَّهُ من لعنه، لا أحسبها قالت‏:‏ إلا ثلاث مرات، لقد رأيت رسولَ اللَّه وهو مسندٌ فخذَهُ إلى عثمان، وإني لأمسح العرقَ عن جبينِ رسولِ اللَّه، وأن الوحيَ لينزل عليه وأنه ليقول‏:‏ اكتب يا عثيم، فواللَّه ما كان اللَّه ليُنْزِلَ عبدًا من نبيه تلك المنزلة إلا كان عليه كريمًا.‏

جيش العسرة
قدّم أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه- ماله كلّه، وهو أربعة آلاف درهم، فقال له رسول الله : (هل أبقيت لأهلك شيئاً؟، فقال: أبقيت لهم الله ورسوله)، ثم جاء عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بنصف ماله، فقال له رسول الله : (هل أبقيت لأهلك شيئاً؟، قال: نعم، مثل ما جئت به وجهّز عثمان -رضي الله عنه- ثلث الجيش، وقد كان الجيش يزيد على الثلاثين ألفاً بتسعمائة وخمسين بعيرًا وبخمسين فرسًا‏، قال ابنُ إسحاق‏:‏ أنفق عثمانُ -رضي اللَّه عنه- في ذلك الجيشِ نفقةً عظيمةً لم ينفِقْ أحد مثلَها‏، وقيل‏:‏ جاء عثمانُ رضي الله عنه بألفِ دينارٍ في كمه حين جهز جيشَ العُسرة فنثرها في حجرِ رسول اللَّه  فقبلها وهو يقول‏:‏ ‏‏ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم‏‏‏،‏ وقال رسولُ اللَّه‏:‏ ‏‏من جهّز جيشَ العُسرة فله الجنة.

‏‏ 
الخلافة
أصبح عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ثالث الخلفاء الراشدين حيث رشح عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- عدد من الصحابة لخلافتهِ و أوصى بأن يتمَ اختيارُ أحد ستة: (علي بن أبي طالب، عثمان بن عفان، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوام، سعد بن أبي وقاص، عبد الرحمن بن عوف) رضي الله عنهم جميعًا وأرضاهم، في مدةٍ أقصاها ثلاثةُ أيام من وفاتهِ حِرصاً على وحدة المسلميـن، وأجمع الصحابـةُ فيما بينهم على اختيارِ عثمان -رضي الله عنه- وبايعـه المسلمون في المسجد بيعةً عامة سنة 23 هـ.

استمرت خلافتُه نحو اثني عشرَ عامًا وقف خلالَها على الكثير من الأعمال: نَسْخُ القرآنِ الكريم وتوزيعُه على الأمصار، توسيعُ المسجد الحرام، وقد انبسطت الأموالُ في زمنه حتى بيعت جاريةٌ بوزنِها، وفرسٌ بمائةِ ألف، ونخلةٌ بألفِ درهم، وحجّ بالناسِ عشرَ حججٍ متوالية.

الفتوحات
أنشأ عثمان بن عفان أولَ أسطولٍ إسلاميٍ لحمايةِ الشواطئ الإسلاميةِ من هجماتِ البيزنطيين و فتح اللهُ في أيامِ خلافته الإسكندرية ثم سابور ثم إفريقية ثم قبرص، ثم إصطخر الآخرة وفارس الأولى، ثم خو وفارس الآخرة ثم طبرستان ودرُبُجرْد وكـرمـان وسـجستـان ثم الأساورة في البحر.

الفتنة
بـعـد الـفـتـوحـات الاسلاميةِ  العديدة التي حدثت، ومع اتساع رقعة الاسلام في أواخرِ عهدِ عثمان بن عفان، أصبح هناك أشخاص حديثي العهد بالاسلام، فلم  يكونوا قد تعمَّقوا في الدين الإسلامي بعد ولم تستقم نفوسهم وتتشرب النظامِ والطاعة، فأراد أعداء الاسلام وفي مُقَدِّمَتِهِم اليهود إثارةَ الفتنةِ لتفريق المسلمين وتشتيت وحدتهم، فأخذوا يُثيرون الشبهاتِ حول سياسةِ عثمان -رضي الله عنه- وحرَّضوا الناسَ على الثورة.

وحدثت فتنة في عهده أدت لمقـتله -رضـي الله عنـه-؛ بسـبب التغيرات الاجتماعية التي حدثت،  من تحقيق الرخاء، واتساع الخيرات، والأرزاق، وتقاطر الأموال، فاستولت الدنيا على قلوب الناس، وانشغلوا بها عن آخرتهم فانتـشرت البغـضاء بيـنهم، و عند مجيء عثمان بعد عمر –رضي الله عنهما- أدى اختلاف الطبع بينهما إلى جرأة القوم عليه، وأيضًا خروج كبار الصحابة من المدينة، وتوقف الفتوحات في آواخر عهده، وانتشار الشائعات الباطلة التي اتُّهِم بها عثمان -رضي الله عنه- من أنه تصرف في الأراضي الموقوفة على المسلمين وفق رغبته، وكل ذلك ساعد عـلى تـآمر الحاقـدين المنافـقين بالتـدبير المحـكم لإثارة الفـتنة ضـده، واستـخدام الوسـائل، والأساليب المهـيجة للنـاس، وكـانت سياستـه -رضي الله عنه- في الـتـعامل مـع الفتـنة قائمـة علـى الحـلم، والتـأني، والمـشورة، والتثـبت ولـزوم الإنـصاف والـعدل.

استشهاده
قام المتمردون على حكم عثمان -رضي الله عنه-  بحصاره في دارِه عشرين أو أربعين يوماً ومنعوه من الصلاةِ بالمسجد بل ومن الماء، ولما رأى بعضُ الصحابة ذلك استعـدوا لقتالِهم وردِّهم لكن الخليفةَ منعهم إذ لم يردْ أن تسيلَ من أجلِه قطرةُ دمٍ لمسلم، ولكن المتآمريـن اقتحموا دارَه من الخلف (من دار أبي حَزْم الأنصاري) وهجموا عليه وهو يقـرأ القـرآنُ وأكبت عليه زوجُـهُ نائلـة لتحميَه بنفسِها لكنهم ضربوها بالسيف فقطعت أصـابعُها، وتمـكَّنـوا منه -رضي الله عنه- فسـال دمُه علـى المصحـفِ ومـات شهيـدا في صبيحة عيدِ الأضحى سنة 35 هـ.

 
bottom of page