top of page

شرحبيلُ بنُ حسنة

نسبه
شرحبيل بن حسنة، أمُّه حسنة وهي عدوية، وهو ابن عبد الله بن المطاع بن عمرو من كِندة حليفٌ لبني زهرة، ويكنى أبا عبد الله. أسلم شرحبيل قديمًا بمكة، وهـو من مهاجرة الحبشة في الهجرةِ الثانية.

حياته 
عرف شرحبيل بن حسنة بالشجاعةِ والإقدام، وبرز ذلك خلال جهادهُ مع رسولِ الله  ومع الخلفاءِ الراشدين من بعدهِ، ومن بطولاته المشهور ذكرها بالتاريخ: فتح الأردن، وجهادُهُ ودوره في انتشار الإسلام، و طرد الروم من أرض الشام. 


كان شرحبيل لا يخشى في الله لومة لائم، ويقول قول الحق ولا يخشى فيه أحدًا، فقد خطب عمرو بن العاص لما انتشر مرض الطاعون بالشام فقال: إن هذا الطاعونَ رجسٌ فتفرقوا في هذه الشعاب، وفي هذه الأودية. فبلغ ذلك شرحبيل فغضب، وجاء وهو يجرُ ثوبهَ وقال لعمرو بن العاص: إن الطاعون وقع. فقال عمرو بن العاص: إنه رجس، فتفرقوا عنه. قال شرحبيل بن حسنة: إني قد صحبت رسولَ اللهِ وإنه قال: (إنها رحمةُ ربِكم، ودعوةُ نبيكم، وموتُ الصالحين قبلَكم، فاجتمعوا ولا تفرقوا عنه). قال: فبلغ ذلك عمرو بن العاص، فقال: صدق.

من مواقفِه مع الرسول 
كان شديد الحب للرسول ، وكان يفضله على نفسه وظهر ذلك جليًا وواضحًا في الموقف التالي:
عن الشفاء ابنةِ عبدِ الله قالت: جئت يومًا حتى دَخَلتُ على النبي فسَألْتُه وشكوت إليه، فجعل يعتذرُ إليَّ وجعلتُ ألومُه قالت: ثم حانت الصلاةُ الأولى، فدخلت بيت ابنتي وهي عند شرحبيل بن حسنة، فوجدت زوجَها في البيت فجعلت ألومُه وقلتُ: حَضَرَت الصلاةُ وأنت ها هنا. فقال: يا عمة، لا تلومِني كان لي ثوبان استعار أحدَهما النبي . فقلت: بأبي وأمي، أنا ألومه وهذا شأنه. فقال شرحبيل: إنما كان أحدُهما درعًا فرقعناه.

من مواقفِه مع الصحابة والتابعين
في خلافة أبو بكر الصديق رأى شرحبيل بن حسنة رؤيةً، وحدَّث بها أبو بكر، وكان أبو بكر الصديق قد حدَّث نفسَه أن يغزوَ الروم ولم يطلع بما يحدث به نفسه فجاءه شرحبيل بن حسنة فجلس إليه فقال: يا خليفةَ رسولِ الله، تحدثك نفسُك أنك تبعث إلى الشامِ جندًا؟ فقال: نعم، قد حدثت نفسي بذلك، وما أَطْلَعْتُ عليه أحدًا، وما سألتني عنه إلا لشيء. قال: أجل يا خليفةَ رسولِ الله، إني رأيت فيما يرى النائمُ كأنك تمشي في الناس فوق حرشفةٍ (الحرشفة: الأرض الغليظة) من الجبل، ثم أقبلتَ تمشي حتى صعدتَ قُنة (قنة: القن بالضم الجبل الصغير) من القِنان العالية، فأشرفتَ على الناس ومعك أصحابُك، ثم إنك هبطتَ من تلك القِنان إلى أرضٍ سهلة فيها الزرعُ والقرى والحصون، فقلتَ للمسلمين: شنوا الغارةَ على أعداءِ الله، وأنا ضامنٌ لكم بالفتحِ والغنيمة.


فشدَّ المسلمون وأنا فيهم معي رايةً، فتوجهت بها إلى أهلِ قريةٍ فسألوني الأمان فأمَّنتهم، ثم جئت فأجدك قد جئتَ إلى حصنٍ عظيم ففتح اللهُ لك وألقوا إليك السلم، ووضع الله لك مجلسًا فجلستَ عليه، ثم قيل لك: يفتح الله عليك وتُنْصَر، فاشكر ربك واعمل بطاعتهِ، ثم قرأ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} (النصر، 1) إلى آخرِها، ثم انتبهتَ. فقال له أبو بكر: نامت عيناك، خيرًا رأيت، وخيرًا يكون إن شاء الله.

وفسَّر أبو بكر الصديق رؤية شرحبيل بن حسنة وعيناه تدمعان قائلًا: بشرت بالفتح ونُعيَت إليَّ نفسي، ثم قال: أما الحرشفة التي رأيتنا نمشي عليها حتى صعدنا إلى القنة العالية فأشرفنا على الناس، فإنا نكابد من أمر هذا الجند والعدو مشقةً، ويكابدونه ثم نعلو بعد ويعلو أمرُنا، وأما نزولُنا من القنة العالية إلى الأرضِ السهلة والزرعِ والعيون والقرى والحصون، فإنا ننزل إلى أمرٍ أسهل مما كنا فيه من الخصب والمعاش، وأما قولي للمسلمين: شنوا الغارة على أعداء الله، فإني ضامن لكم الفتح والغنيمة، فإن ذلك دُنوَّ المسلمين إلى بلادِ المشركين، وترغيبي إياهم على الجهاد والأجر والغنيمة التي تقسم لهم وقبولهم، وأما الراية التي كانت معك فتوجهت بها إلى قرية من قراهم ودخلتَها واستأمنوا فأمنتَهم، فإنك تكون أحدَ أمراء المسلمين ويفتحُ اللهُ على يديك، وأما الحصن الذي فتح الله لي فهو ذلك الوجه الذي يفتح الله لي، وأما العرش الذي رأيتني عليه جالسًا فإن الله يرفعني ويضع المشركين، قال الله تعالى ليوسف:{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} (يوسف، 100)، وأما الذي أمرني بطاعة الله وقرأ عليَّ السورة فإنه نعى إليَّ نفسي، وذلك أن النبي  نعى الله إليه نفسَه حين نزلت هذه السورة.

استشهاده
يذكر أنه استشهد في معركة اليرموك، ويقال في مقولات أخرى أنَّه طُعِن هو وأبو عبيدة بن الجراح في يوم واحد، ومات في طاعون عمواس وهو ابنُ سبعِ وستين، وحديثه في الطاعون ومنازعتهُ لعمرو بن العاص في ذلك مشهورة.

bottom of page