top of page

سليمانُ الأعمش بن مهران

نسبه 
سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي مولاهم أبو محمد الكوفي الأعمش، و كاهل هو: ابن أسد بن خزيمة، أصله من نواحي الرَّي.

وُلد بقرية أمه، من أعمال طبرستان في إحدى وستين، وقدموا به إلى الكوفة طفلاً، من علماء الكوفة ومن صغار التابعين، اسمه سليمان بن مهران الملقب بـالأعمش، له علمٌ وفضلٌ وملحٌ ونوادرٌ، إمامٌ في القرآن والحديث، لُقّب بالمُصحف لصدقه، وكانوا يُصححون مصاحفهم من حفظه، فقد كانت المصاحف تُكتب باليد، لكنهم كانوا يُصـحـحون مصاحفهم المكتوبة من قراءته.

كان فقيراً من الدنيا ولكنه كان مليئاً من العلم، من صغار التابعين، وتتلمذ عليه أئمة كبار أتباع التابعين، وكان أعلمَ الناس بحديث عبد الله بن مسعود، رأى أنس بن مالك، ولكنه لم يروِ عنه إلا بواسطة. 

صفاته
تواضعه رغم غزارة علمه

كان الأعمش يُسمَّى المصحف من صِدقِهِ، وحدّث عنه أمم لا يُحصَون، إلا أنه كان متواضعًا شديدَ التواضع، ولقد جاءه رجل يسأله عن مسألة في العلم، وعنده أبو حنيفة - وهو من تلامذته - فقال لأبي حنيفة: أجبه. فأجابه، فقال له: و من أين لك هذا؟ قال: من حديث حدثتَنيه هو كذا وكذا، فقال الأعمش: حسبك ما حدَّثتُكَ به في سنة تحدِّث به في ساعة، أنتم الأطباء و    نحن الصيادلة.

 

جرأته في الحق
وكان الأعمش جريئًا في الحق، لا يخشى لومةَ لائم، وإن عرَّضه ذلك للتلف أو الهلاك، ولقد بعث إليه هشام بن عبد الملك قائلاً له: أن اكتب لي مناقب عثمان ومساوئ علي؟ فأخذ الأعمش (رحمه الله) القرطاس وأدخله في فَم شاة فلاكته، وقال لرسوله: قل له: هذا جوابك، فقال له الرسول: إنه قد آلى أن يقتلني إن لم آته بجوابك، وتحمل عليه بإخوانه، فقالوا له: يا أبا محمد! نجه من القتل، فلما ألحوا عليه كتب له: بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد، فلو كانت لعثمان مناقب أهل الأرض ما نفعتك، ولو كانت لعلي مساوئ أهل الأرض ما ضرتك، فعليك بخويصة نفسك. 

زهده في الدنيا
ولقد كان الأعمش زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة، أدان نفسـه وعمـِل لمـا بعـد المـوت، لـم يغتـر بزينة الحياة الدنيا ومتاعها، فعاش زاهدًا معتزًا بعلمه ولو رأيته لظننته سائلاً لما عليه من ثياب رث، ويقول ابن عيينة: لو رأيت الأعمش وعليه فروٌ غيظ وخفان غليظان كأنه إنسان سائل فقال: يومًا لولا القرآن وهذا العلم عندي لكنت من بقالي الكوفة، ورغم ذلك إلا أن الأغنياء رغبوا في علمه وزهد هو في دنياهم مما جعلهم يقبلون عليه ويتعلمون منه، ويقول عيسى بن يونس: لم نرَ نحن مثل الأعمش وما رأت الأغنياء عند أحد أحقر منهم عنده مع فقره وحاجته. 

عزة نفسه
ورُغم فَقرِه وما كان يعانيه في حياته، إلا أنه كانت لديه عزَّة نفس، فلم يأكل بدينه أو بعلمه، ولم يجعل علمه قِصصًا يرويها لمن طلب منه، بل كان ينظر إلى ما عنده من علم على أنه شيء ثمين لا يُؤخذ إلا بحقه، ولما دخل على ابن هبيرة طلب منه أن يُحدِّث فقال له: لسـت بقـاص، فلـم يـكن علمـه ليحـدث بـه عند الأمراء؛ بل الأولى أن يذهبوا إليه ليتعلموا منه ويُحدِّثهم. 

مزاحه ومرحه
كان سليمان علاّمة الإسلام صاحبَ سنّة ومع جلالته فِي العلم والفضل إلا أنّه صاحب مُلح ومزاح، ومن ذلك ما وقع بينه وبين زوجه من وحشة، فسأل بعض أصدقائه من الفقهاء أن يرضيَها ويصلحَ بينهما، فدخل إليها وقال: إن أبا محمد شيخ كبير، فلا يُزهدنك فيه عمش عينه، ودقة ساقيه، وضعف ركبتيه، وبخر فمه، وجمود كفه! فقال له الأعمش: قم، قَبَّحك الله، فقد أريتها من عيوبي ما لم تكن تعرفه.

وقال أبو حنيفة للأعمش وقد أتاه عائدًا له في مرضه: لولا أن أثقل عليك يا أبا محمد، لعدتك والله في كل يوم مرتين. فقال له الأعمش: والله يا ابن أخي، أنت ثقيل علي وأنت في بيتك، فكيف لو جئتني في كل يوم مرتين. 

وقال لابنه: اذهب فاشتر لنا حبـلاً يكون طوله ثلاثين ذراعًا، فقال الولد: يا أبتي في عرض كم؟ قال: في عرض مصيبتي فيك! 
وقد أراد إبراهيم النخعي ذات مرة أن يُماشيه، وكان أعور، فقال له الأعمش: إن رآنا الناس معًا قالوا: أعور وأعمش؛ فقال النخعي: وما عليك أن يأثموا ونؤجر؟! فقال له الأعمش: وما عليك أن يسلموا ونسلم؟. 

وفاته
عاش حتى سنة 149هـ، وفيها كانت وفاته ودخل عليه أبو بكر بن عياش في مرضه الذي توفي فيه فقلت: أدعو لك طبيبًا فقال: ما أصنع به فوالله لو كانت نفسي في يدي لطرحتها في الحش إذا أنا مت فلا تؤذنن بي أحدًا واذهب بي فاطرحني     في لحدي. 

bottom of page