top of page

الحارس المبارك

(المبارك) هو رجلٌ صالحٌ تقيٌ، كان يعملُ حارسًا لبستان أحد الأغنياء، وظلَّ في عمله فترة طويلةً، ثمَّ ذات يومٍ جاء صاحبُ البستان، ومعه بعض أصحابه، وطلب صاحب البستان من المبارك إحضار بعضٍ من ثمر بستانه ليقدِّمه لضيوفهِ. 

فأحضر المبارك بعض الثمر وقدمها للرجل وضيوفه، وتفاجأ صاحب البستان والضيوف، بأنه قدّم لهم الثمر وجميعها حامضة المذاق، فقال صاحب البستان للمبارك والإنزعاج يبدو على ملامحه أنه قد أحرجه أمام ضيوفه، وأنه كان يقصد ذلك باختياره جميع الثمر الحامض.
فأجابه المبارك: وكيف لي أن أعرف أن الثمر حامضٌ
فقال صاحب البستان: ألا تعرف الفرق بين الثمر الحامض والثمر الطيب.
فقال المبارك: نعم لا أعرف يا سيدي.
فتعجَّب صاحب البستان من المبارك بأنه كيف يمكن أن تعمل كل هذه الفترة في بستانه، ولا تستطيع أن يميز بين الثمر الحامض والثمر الحلو، وسأله مستنكرًا هل من المعقول أنك لم تتذوق من الثمر الموجود في البستان!! 
فقال المبارك: لم آكل من ثمر البستان منذ عملت فيه، فلقد استعملتني للحراسة ولم تأذن لي بالأكل من ثمره.
فعجب صاحب البستان من رد المبارك ومضى.
ولكن إجابات الحارس الأمين، تركت أثرًا لدى صاحب البستان، فتوجَّهَ إلى جيرانِ البستان يسألهم عن المبارك، فأثنوا عليه خيرًا وحدّثوه عن ورَعِه ِوتقواه، وبعد عدة أيام جاء صاحب البستان إلى البستان، وقال للمبارك: إني مستنصحك فى أمرٍ.
فقال المبارك: وما هو؟
فقال: صاحب البستان: لي ابنة شابة قريبةٌ إلى قلبي، وقد كثُرَ خُطّابُها، فبرأيك من أزوجها؟
فقال المبارك: يا سيدي.
إنَّ العجم يزوجون للجمال.
و إنَّ العرب يزوجون للنسب.
و إنَّ المسلمين يزوجون للدين.
فاختر لها ما شئت.
فصمت الرجل برهةً ثم قال: وأنا سأزوجها للدين، وأخطبك أنت لها. 
فتزوجا وبارك الله لهما، وأنجبا ولدًا نجيبًا سمياه عبد الله.

فكان (عبد الله بن المبارك) من مؤسسي علم الحديث.


وفي هذه القصة يتبين لنا عدة أمور مهمة أولها: أن الله يكافئ كل من يعمل عمل مخلصًا صالحًا لوجهه، فقد كان جزاءُ المبارك على إخلاصه وأمانته في حراسة البستان، أنْ زوَّجه صاحب البستان إلى ابنته، إعجابًا منه بأخلاقه وورعه وأمانته.

والأمر الثاني أن يعلم كلٌّ منَّا أنَّه إذا أؤتمن أمانةً، فلا بد أن يحفظ الأمانة، وأن كل شيء يأخذه الإنسان بغير حقه، فهو مستردٌ منه يوم القيامة. 

bottom of page