top of page

أبو بكر الصديق رضي الله عنه

نسبه
هو عبدُ اللّه بنُ عثمانَ بن عامرِ بنِ عَمْرو بنِ كعبِ بنِ سعدِ بنِ تَيْم بنِ مُرَّةَ بنِ كعبِ بنِ لؤيّ القرشيِّ التيميّ. يلتقي مع رسول اللّه  في مُرَّةَ بن كعب، أبو بكر الصديق بنُ أبي قحَافة، وأمهُ أم الخير سَلْمَى بنتُ صخر وهي ابنةُ عمِ أبي قحافة، أسلم أبو بكر ثم أسلمت أمهُ بعدَه، وصحِبِ رسولَ الله. 

​صفاته
العتيق الصديق

لُقِّبَ أبو بكر -رضي الله عنه- بالعتيق لِعِتْقِه من النار وعن عائشةَ -رضي اللّه عنها- أن رسولَ اللّه قال: (أبو بكر عتيقُ اللّهِ من النار) فمن يومئذ سُمِّي (عتيقاً).

قال علي بن أبي طالب -رضي اللّه عنه-: (إن اللّهَ تعالى هو الذي سمَّى أبا بكر على لسان رسولِ اللّه  صدِّيقاً) وسُمي بذلك لأنه أولُ من صدّق رسولِ اللّه  وكان معه بكل الاحوال ولازمه الصدق ولم يُكَذّبْه قط.

وعن عائشةَ أنها قالت: (لما أُسْري بالنبي  إلى المسجدِ الأقصى أصبح يحدِّث الناسَ بذلك فارتد ناسٌ ممن كان آمن وصدق به وفتنوا به.

 فقال أبو بكر: إني لأصدِّقه في ما هو أبعدُ من ذلك، أصدقهُ بخبرِ السماءِ غدوة أو روحة، فلذلك سُمي (أبا بكر الصديق).

أهم ملامح حياته
مواقفه فى بداية الدعوة

أبو بكر الصديق أصغر من الرسول  سنًا بثلاث سنوات حيث وُلد أبو بكر سنة 573 م بعد الفيل بثلاثِ سنين تقريباً، وكان رضي اللّه عنه صديقاً لرسول اللّه  قبل البعث وكان يكثر محادثته وصحبته وعندما أسلم آَزرَ النبيَ  في نصرِ دينِ اللّه تعالى بنفسهِ ومالهِ.

قال رسول اللّه: (ما دعوتُ أحداً إلى الإسلام إلا كانت عندَه كَبْوَةٌ ونظرٌ وتردد إلا ما كان من أبي بكر رضي اللّهُ عنه ما عَلَمَ عنه حين ذكرتُه له) أي أنه بادر به.

ودفع أبو بكر عقبةَ بن أبي معيط عن رسولِ اللّهِ  لما خنق رسولَ اللّهِ  وهو يُصلي عندَ الكعبة خنقاً شديداً، وقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} (سورةغافر، 28).

كان أبو بكر رضي الله عنه مصدَّقاً لدى قريش ومحببًا فيهم حيث كان من روؤساء قريش في الجاهلية، وكان إذا عمل شيئاً صدَّقتهُ قريش فلما جاء الإسلام سبق إليه، وقد أسلم على يديه خمسةٌ من العشرةِ المبشرين بالجنة وهم: عثمان بن عفان، والزُّبَير بن العوَّام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد اللّه.

وقد اشتهر أبو بكر في قريش بأنه أعلمَ العربِ بأنسابِ قريش وما كان فيها من خيرٍ وشر، وكان حَسنَ المجالسة، عالماً بتعبير الرؤيا، وكان تاجراً ميسور الحال وثروته طائلة، وقد حرَّم الخمرَ على نفسهِ في الجاهلية هو وعثمان بن عفان، ولما أسلم جعل يدعو الناسَ إلى الإسلام.

أول خطيب فى الاسلام
لما دخل رسولَ اللّه   ومن معه من أصحابِه دارَ الأرقمِ ليعبدَوا اللّهُ سراً، طلب أبو بكر -رضي اللّه عنه- مُلِحّاً من الرسول   الظُهور بين الناس فقال النبيُ : يا أبا بكر إنا قليل. فلم يزل به حتى خرج رسول اللّهومن معه من الصحابةِ -رضي اللّه عنهم- وقام أبو بكر وألقى خطبة في الناس بينما كان رسول اللّه جالسًا ودعا إلى الاسلام والإيمان برسول اللّه ، وكان بذلك أولُ خطيبٍ دعا إلى اللّه تعالى.

وقد أصاب أبا بكر من إيذاء قريش شيءٌ كثير حيث ثار المشركون على أبي بكر رضي اللّهُ عنه بعد أن خطب فيهم ودعاهم للإسلام وقاموا يضربونه ضرباً مبرحاً. حتى سقط أبو بكر بين الأرجل وضُربَ ضرباً شديداً، وصار عُتْبةُ بنُ ربيعة يَضْرِبُ أبا بكر بنعلين مخصوفتين ويحرفهما إلى وجهه حتى صار لا يُعرَفُ أنفُهُ من وجهِهِ.

هجرته مع رسولِ اللهِ
ولما أذن الله تعالى للرسول   بالخروج ذهب رسولُ اللّه إلى أبي بكر وهو نائم فأيقظه، فقال رسولُ اللّه : قد أُذِن لي في الخروج، وخرجا معًا إلى أن دخلا غار حراء، حيث مكث أبو بكر مع رسولِ الله  في الغار ثلاثةَ أيام؛ وأسماه الله تعالى (ثاني اثنين)، قال اللّه تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}.(سورة التوبة، 40)

جهاده
جهاده بنفسه

شهد مع رسول اللّه  معركة بدر و غزوة أُحد والخندق وبيعةَ الرضوان بالحُدَيبية وخيبر وفتح مكة وحُنَيناً والطائف وتَبوك وحَجة الوداع، وكان رسول الله  يجل أبو بكر ويُثني عليه ويكرمه فجعله يستخلفه في الصلاة وسلَّمه رايته العظمى يوم تبوك وكانت راية سوداء، وكان فيمن ثبت معه يوم أُحد وحين ولَّى الناس يوم حنـين، وهـو من كبار الصحابة الذين حفظوا القرآن كلَّه.

جهاده في ماله 
أعتق أبو بكر سبعةً ممن كانوا يُعَذَّبون في اللّه تعالى وهم: بلال، وعامر بن فهيرة، وزِنِّيرة، والنَّهديَّة، وابنتها، وجارية بني مؤمّل، وأم عُبيس.

 لما أمر الرسول  المسلمين بالتصدق جاء عمر رضي اللّه عنه بنصف ماله وكان يظن أنه لأول مرة سيسبق أبو بكر رضي الله عنهما فقال له رسولنا: ما أبقيتَ لأهلك؟
قلت: مثلَه.

وجاء أبو بكر بكل ما عنده.
فقال: يا أبا بكر، ما أبقيت لأهلك؟
قال: أبقيت لهم اللّهَ ورسولَه ، ثم قال عمر -رضي الله عنه-: لا أسبقه إلى شيء أبداً.

وكان أبو بكر إذا مُدح قال: (اللّهم أنت أعلم بي من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم، اللّهم اجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون).

مكانته عند رسول الله 
قال رسولُ اللّه : (لو كنتُ متخِذاً خليلاً لاتخذتُ أبا بكرٍ خليلاً). رواه البخاري ومسلم.
عن عمرو بن العاص: أن النبيَ  بعثه على جيشِ ذات السلاسل قال: فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ فقال: عائشة.
فقلت: من الرجال؟ فقال: أبوها.

فضائله -رضى الله عنه-
وعن أبي هريرة: قال رسول اللّه: (من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا.
قال: فمن تبع منكم اليوم جنازةً؟ قال أبو بكر: أنا.
قال: فمن أطعم منكم اليومَ مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا.
قال: فمن عاد منكم اليومَ مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا.
فقال رسولَ اللّه: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة).

وعن أبي هريرة: أن رسول اللّه   كان على حِرَاء هو وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير رضي الله عنهم، فتحركت الصخرةُ فقال النبي عليه السلام: (اهدأ فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد) رواه مسلم.

خلافته
استخلف الرسول  أبا بكر رضي الله عنه في الصلاة أثناء مرضه وأمره أن يُصلِّيَ بالمسلمين، وبعد وفاته بايع المسلمين أبو بكر بالخلافة في سقيفة بني ساعدة، على الرغم من أنه كان زاهدا فيها ولم يسعَ إليها وبعد أن بايعه جميع المسلمين بيعة عامة، صعد المنبر وقال بعد أن حمد اللّه وأثنى عليه:

(أيها الناس قد وُلِّيت عليكم، ولست بخيرِكم، فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقوموني، الصدق أمانة، والكَذِب خيـانة، والضـعـيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقَه، والقوي عندي ضعيفٌ حتى آخذَ منه الحقَ إن شاء اللّه تعالى، لا يدع أحد منكم الجهاد، فإنه لا يدعُه قومٌ إلا ضربَهم اللّهُ بالذل، أطيعوني ما أطعتَُ اللّهَ ورسولهَ فإذا عصيتُ اللّهَ ورسولَه فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتِكم رحمكم اللّه).

جيش أسامة
كان الرسول   قد أوصى بخروج جيش أسامة بن زيد لقتال الروم قبل وفاته، وجهّز الجيش، وخرج الجيش على مشارف المدينة، ولكنهم لمَّا علموا بمرض الرسول لم يخرجوا، فكان أول قرار يأخده أبو بكر الصِّدِّيق -رضي الله عنه- في الخلافة، هو قرار إنفاذ بعث أسامة بن زيد، ولكن الجزيرة العربية كلها ارتدتْ عن الإسلام، وكلها تتوعَّد المدينة، وهذا الجيش الخارج من المدينة لم يكن موجَّهًا إلى من ارتدوا، ولكن كان موجهًا إلى الرومان، ولم يكن في منطقة قريبة من المدينة حتى يستطيع أن يأتي إليها إذا داهمها المرتدُّون، بل كان خارجًا إلى مشارف الشام، ومع ذلك أصرَّ أبو بكر -رضي الله عنه- أن يُنفِذَ هذا الجيش مع كل ما يحيط بالمسلمين من خطورة. فثار عليه بعض الصحابة، وكلـموه في ذلك، فقال لهم كلمة تسجل بحروفٍ من نور: (والله لا أحلُّ عقدةً عقدها رسول الله، ولو أن الطير تخطفنا، والسباع من حول المدينة، ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لأجهزَنَّ جيش أسامة).

ولما خرج الجيش إلى أطراف الشام فرَّت منه الجيوش الرومانية في هذه المنطقة، فلم يلقَ قتالاً، فوجد بعض القبائل في هذه المنطقة ارتدَّتْ، فقاتلهم، وشتَّتَ شملهم، وهزمهم، وعاد بسرعة إلى أبي بكر الصِّدِّيق في المدينة، ومعه الغنائم من هذه الموقعة، وخروج الجيش إلى شمال الجزيرة أحدث بكل القبائل العربية الموجودة في هذه المنطقة رهبةً من المسلمين؛ مما جعلهم يظنُّون أن للمسلمين قوةً في المدينة، وأن هذا جزءٌ صغير من الجيوش، فقرَّرَتْ عدم الهجوم على المدينة وإيثار السلامة، مع أنه لم يكن هناك جيش بالمدينة، إلا أنها كانت حكمة من الله ألهم بها نبيَّه، ووفَّق لها أبا بكر رضي الله عنه، فكانت هذه فائدة عظيمة من خروج جيش أسامة بن زيد.

حروب الردة وجيوش العراق والشام
ارتدّت العرب بعد وفـاة الرسـول وَمَنَعَتِ الزكاة، واختلفت آراء الصحابةِ في قِتالِهم مع نطقهم بالتوحيـد، قال عمر بن الخطاب: كيف تقاتـل الناسَ وقد قال رسول الله : أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يـقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصمـوا منّي دماءَهم وأموالهـم إلا بحقها، وحسابهم على الله. 

فقال أبو بكر: الزكاةُ حقُّ المال.


وقال: واللهِ لأقاتلنَّ من فرّق بيـن الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عَنَاقاً كانوا يُؤدّونها الى رسول الله ِ لقاتلتُهم على منعِهـا ونصب أبو بكر الصديق وجهه وقام وحده غاضبًا مشمِّراً حتى رجـع الكلُ الى رأيـه، ولم يمت حتى استقـام الديـن، وانتـهى أمـر المرتدين.

وبعد أن أنهى أبو بكر -رضي الله عنه- من قتال المرتديـن بعث أبا عبيـدة إلى الشام وخالد بـن الوليد الى العراق، ولم يشرك في حروب الفتوحات أحد ممـن ارتدَّ من العرب، ولم يدخـل في الفتوح إلا من كان ثابتـا على الإسـلام.

مرضه ووفاته 
لم تكن فترة خلافة أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه طويلة فما لبث أن تولّى الخلافة حتى عاجله المرض ثم الموت، وتروي عائشة -رضي الله عنها -أنَّ أول مرض أبيها أبي بكر الصديق كان بعد اغتساله يوم الاثنين السابع من شهر جمادى الآخرة، وكان ذلك اليوم شديد البرودة، فأصابته الحُمى بعد ذلك خمسة عشر يوماً، وكان من شدّة الحمّى لا يخرج لأداء الصلاة جماعةً، حتى توفي ليلة يوم الثلاثاء، الثاني والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة 13هــ ، وكان عمره حينها ثلاثاً وستين سنة.

ودُفن أبو بكر-رضي الله عنه- في نفس الليلة التي توفي فيها، وأمَّ الناس للصلاة عليه عمرُ بن الخطاب، وكان ذلك في مسجد رسول الله  في المدينة المنورة، ووسّده القبر ابنه عبد الرحمن، ورافقه عمر وعثمان وطلحة، وقد جعلوا رأسه عند كتفي النبي ، وجعلوا لحده ملاصقاً للحد النبي ، وكان آخر ما نطق به أبو بكر قبل وفاته قوله: (توفني مسلماً وألحقني بالصالحين) وقيل: إن عائشة -رضي الله عنها- هي التي كانت تعتني به وتمرضه في مرض وفاته.

bottom of page