top of page

 أبو حنيفة النعمان

نسبه 
هو النعمان بن ثابت بن المرزبان، وكنيته أبو حنيفة، من أبناء فارس الأحرار، ينتسب إلى أسرة شريفة في قومه، أَصلُه من كابل (عاصمة أفغانستان اليوم)، أسلم جدُّه المرزبان أيامَ عمر رضي الله عنه، وتحوَّل إلى الكوفة، واتخذها سَكَنًا.

وُلد الإمام أبو حنيفة النعمان في مدينة الكوفة في العراق؛ حيث أقام جدّه فيها، وكان مولده في سنة ستّمائةٍ وتسعة وتسعين للميلاد على الرّاجح، الموافق للعام ثمانين من الهجرة النبويّة الشريفة، وقد كان الإمام أبو حنيفة النعمان وحيدَ أبوَيْه حيث لم يُنجبا سواه كما يظهر، وكان مولد أبي حنيفة في حياة صغار الصّحابة رضوان الله عنهم، فأدرك منهم أنساً بن مالك رضي الله عنه، الذي قدم إلى الكوفة حينها.

حياته
نشأ الإمام أبو حنيفة النعمان في مكان مولده الكوفة، وفيها تربّى وترعرع وقضى معظم حياته، وقد كان ثابت والد أبي حنيفة تاجراً موسراً، وكان من أهل الصلاح وقد نشأ على الإسلام وتربّى عليه، حتّى إنّه التقى عليّاً بن أبي طالب؛ ولأنّ والد أبي حنيفة كان تاجراً، فقد نشأ الإمام أبو حنيفة في كنف الأسواق والتُّجار، وكان في أوّل حياته كثير التردُّد عليها بينما قلّ تردُّده على مجالس العلم، ولما توجّه للعلم قلَّ تردُّده على الأسواق، فكان لا يذهب إليها إلا لمعرفة سير متجره، وقد حفظ الإمام القرآن الكريم، وكان شديدَ التَّعلق فيه وبتلاوته، حتّى رُوِي أنّه كان يختم القرآن في شهر رمضان ما يقارب ستّين مرّةً، ولو كان في هذا الرقم شيءٌ من المبالغة إلّا أنّه يُنبِئ عن كثرة قراءة أبي حنيفة لكتاب الله وتعلُّقه فيه.

علمه وشيوخه 
أوّل ما توجّه إليه أبو حنيفة من علوم عصره هو علم الكلام، والعقائد، وأصول الدّين؛ حيث كان يناقش أهل المِلَل والنِّحَل المختلفة، وينقاش المُلحِدين وأهل الضّلال، حتّى برع في هذا المجال، وأصبح ممّن يُشار إليهم بالبنان، ولم يُجاوِز حينها العشرين من عمره، ثمّ توجَّه إلى علم الفقه، وكان قد تتلمذ على يدي العالم الفقيه حمَّاد بن أبي سليمان، ونهل من علمه الغزير حتّى صار أقرب تلاميذه إليه، وقد قال حماد في أبي حنيفة: (لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي -بجانبي- غير أبي حنيفة).

وقـد اطَّلع الإمـام أبـو حنيفة النعمان على جميع العلوم الإسلامية والعلوم الأخرى المهمّة، ثمّ استقرَّ على علم الفقه بعد أن علِم فضله ومكانته في الدين وأهميّته في الأولى والآخرة، وقد اطلع على أصول العلوم جميعها قبل أن يتوجّه إلى علم الفقه، فدرس العقيدة، والقراءات، والحديث، والنحو، واللغة، وعلوم القرآن، وغير ذلك، فلم يجد في جميع تلك العـلوم أشـرف ولا أرفـع ولا أفضـل مـآلاً مـن علـم الفقـه؛ حتّى إنّه كـلّما قـلَّب فـي عـلم الفقـه وَجَدَه يسمو ويرتفع حتى استقرَّ عليه. 

تلاميذه 
تتلمذ على يدَي الإمام أبي حنيفة النعمان عددٌ من العُلماء الذين برزوا في العلم لاحقاً، بل إنّ تلاميذه هم من أرسى القواعد الأوليّة للمذهب الحنفيّ تحت إشراف معلّمهم أبي حنيفة؛ حيث لم يرد عنه أنّه كتب كتاباً جامعاً في الفقه يُظهر أقواله واجتهاداته وآرائه الفقهية وفتاواه الخاصّة، إلا أنّ الإمام كان يُملي كلَّ ذلك على تلاميذه أثناء الحلقات العلميّة التي يعرضها عليهم، ثمّ يراجع ما يكتبونه لاحقاً ليُقرَّهم عليه، أو يحذف ما يُخالف مذهبه أو كان فيه لغطٌ أو خطأ، أو ربّما يُغيّر بعض ما كتبه تلاميذه بعد الاطّلاع عليه، مما جعل مذهبه يستقرُّ ويستمرّ ويزدهر على أيدي تلاميذه وتلاميذهم الذين برعوا في تدوين الفقه الحنفيّ ونشره للناس. 

ومن بين أشهر تلاميذ الإمام أبي حنيفة؛ الشيخ أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم، ومن كُتبه الشهيرة كتاب الآثار، ومنها كذلك كتابه اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى، كما بَرَََع من تلاميذ أبي حنيفة محمد بن الحسن الشيباني، وهو صاحب الفضل الأكبر في ترسيخ دعائم المذهب الحنفيّ وتدوينه، مع أنّه لم يتتلمذ على يدي أبي حنيفة إلا فترةً قصيرةً، ثمّ تتلمذ بعدها على أيدي أبي يوسف، والأوزاعي، ومالك، وغيرهم من أساطيل الفقه.

وفاته
توفي في 150هـ في شهر رجب، وقيل إنّـه توفّـي سنـة مئـة وإحـدى وخمـسـين، وقـيل توفّـي سـنة مئـة ومائـة وثـلاث وخمـسين، والأصـوَب فـي ذلـك هـو الـرأي الأول، وكـان أبو حنيـفة حيـن وفـاته يبـلغ مـن العـمر سبـعين سـنةً، ومما رُوِي فـي حــالـه قبـل وفـاته أنّـه مـكـث أربعيــن سـنـةً يُصـلّي الفـجـر بـوضـوء العـشـاء، وقـيـل إنّـه قــرأ القــرآن فـي المـوضـع الــذي مـات فـيـه سـبـعة الآف مـرّة؛ حيـث كـان شديـدَ التعلُّق بكتاب الله؛ فقد كان يصلّي الليل ويقرأ القرآن في كلِّ ليلة، وقد صُلِّي عليه في مدينة بغداد عدّة مرّات، قيل إنّها بلغت ستّاً؛ لكثرة الزّحام في جنازته، وقد دُفِن فيها.

bottom of page